ندى سالم
أعربت الولايات المتحدة الأميركيَّة عن إعلانها الانسحاب من الأراضي السورية، وقد أثار ذلك القرار اهتمام العديد من الباحثين ووسائل الإعلام، على الرغم من أهمية ذلك القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركيَّة وصعوبة الموقف الدولي تجاه الحرب في سورية، إلا أنه يحمل في طياته العديد من الملفات البالغة الأهمية، إذ ينعكس ذلك الانسحاب على المنطقة العربية والإقليمية برمتها وما سوف يفرضه التحرك الأميركي الجديد من مخرجات على الصعيد السياسي
والعسكري.
إذ باتت الإدارة الأميركيَّة أمام قرارات مغايرة ولكنها مكملة للصياغة الأساسيَّة المتفق عليها ما بين الرئاسة الأميركيَّة والكونغرس، إذ إنَّ الديمقراطيين باتوا ينظرون الى المسارات التي اتخذتها الإدارة الأميركيَّة لا تحقق الأهداف الأميركيَّة وخاصة بعد تصاعد حدة الخلافات الدوليَّة والإقليميَّة والتي جعلت من الإدارة الأميركيَّة تدور في حلقة مفرغة.
فقد توصلت الإدارة الأميركيَّة الى قرارات تتعلق بإمكانية تفعيل المسارات القديمة التي حققت من خلالها نتائج بالغة الأهمية ألا وهي ستراتيجية التحكم عن بعد، التي تتضمن اللجوء الى استخدام وكلائها الذين يقودون المعارك التي تشنها من دون المساس بمكانتها على الصعيد الإقليمي والدولي.
إذ إنَّ استمرارية تدعيم الحرب على الإرهاب والذي يحمل في طياته العديد من الملفات الشائكة وهو ما أعربت عنه الإدارة الأميركيَّة وعلى حد قولها "بأنَّ الحرب ضد الإرهابيين الذين يملكون قدرات عالميَّة هو مشروع على مستوى عالمي شامل لا حدود زمنية له".
إذ إنَّ ستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الحرب في سورية قد أعادت صياغة منطلق الحرب على الإرهاب ولكن برؤية جديدة مفعلة عن طريقها وأهدافها في الأراضي الإقليمية والعربية وهو ما أعربت عنه بالقول "لقد بدأ النزاع وفقاً لتوقيت وشروط حددها غيرنا ولكنه سينتهي بالطريقة والساعة التي نختارها نحن".
ومن هذا المنطلق باتت الخيارات الأميركية واضحة، إذ من المرجح أنْ يتصاعد دور الإرهاب في إعادة صياغة نمط الحرب وكذلك تفعيل الأجندة العسكرية (الفصائل المسلحة)، سواء أكانت الكردية أم المنظوية تحت مسميات عدة.
أما بالنسبة الى المحور المضاد الذي تمثله روسيا فإنها لا تمتلك المرونة الكاملة تجاه تفاقم حدة الأوضاع في الأراضي السورية التي يصعب فيها إيجاد مخرج سياسي حقيقي يمكن أنْ تعول عليه روسيا بحيث يتضمن موافقة كامل الأطراف الداخلة في حلقة الصراع، فكل جهة تحاول الحصول على أكبر قدر من المنافع الجيوستراتيجيَّة.
فقد حققت روسيا أهدافها في تثبيت وجودها على المرافئ المائيَّة في البحر المتوسط، أما من حيث تحركها العسكري، فقد استطاعت من خلال عملياتها المستمرة ومنذ تدخلها في بداية الأزمة السوريَّة بأنَّ العمليات العسكرية لا تحقق غايتها الستراتيجية، وكذلك افتقار الستراتيجية الروسية الى المرونة الكافية التي تمتلكها الولايات المتحدة أو يصعب عليها تبني خيارات متعددة كما تفعل ذلك واشنطن.
أما بالنسبة للخيارات التركية وباعتبارها مكملاً لحلقة التفاعل الإقليمي الرئيسة على الأراضي السورية فمنذ قيادة عمليات (غصن الزيتون) و(عملية درع الفرات)، إذ تعد تلك التحركات في شرق الفرات وبالتزامن مع تقدم الفصائل السورية الموالية لأنقرة باتجاه منبج غربي نهر الفرات تعدُّ بديلاً عن الخيارات التي يمكن أنْ تتخذها تركيا في رسم سياستها الخارجية وخاصة بعد صفقات التسلح التي تعد لإنجازها مع موسكو .
فإنَّ فسح المجال لها وقيادة تلك العمليات هي فرصة حقيقيَّة للجانب التركي لكي يعيد صياغة نمط تفاعلاته مع حلفائه الرئيسيين وخاصة واشنطن وخاصة بعد تغريدات دونالد ترامب الأخيرة والتي أوكل فيها مهام محاربة التنظيم الى اردوغان نفسه، هذا بالإضافة الى اعلان اردوغان استمرار عملياته العسكرية في شمال الأراضي العراقية في منطقة سنجار، فقد يوفر ذلك لتركيا إمكانية افضل للتحرك وتوطيد نفوذها.
فهل يعدُّ ذلك إشارة واضحة بأنَّ الولايات المتحدة أوكلت أهدافها الستراتيجية في سورية الى حلفائها الدائميين سواء أكانت تركيا أو في بلدان مجلس التعاون الخليجي، سواء كان ذلك بالعمليات العسكرية أو بالنفقات المالية، أم إنها مسارات أميركية جديدة لتشكيل حلقة التوازن الستراتيجي الإقليمي.