النفايات البلاستيكيَّة.. دورة حياة جديدة

علوم وتكنلوجيا 2020/08/28
...

لندن: بي بي سي
 
يشكل التخلص من المواد البلاستيكية المستعملة، مشكلة عالمية لا تخفى على أحد. فمن أعالي الجبال إلى أعماق المحيطات، يبدو وجود النفايات البلاستيكية أمراً لا مفر منه. المشكلة أن البلاستيك، وهو مادة غير قابلة للإتلاف تقريباً في الظروف الطبيعية، يتم التخلص منه بكميات هائلة – بعد استعماله - في مختلف أنحاء المعمورة.
 
359 مليون طن
وتبلغ كمية المواد البلاستيكية، التي تُنتج سنويا في العالم قرابة 359 مليون طن. وتتمثل المشكلة في أنه لا يمكن للعوامل البيئية التعامل مع مخلفات هذه المواد بسرعة، تكفي للحيلولة دون أنْ تضر بالكائنات الحية.
وقد أدى ذلك إلى تبلور إجماع مفاده أن البلاستيك يشكل مادة غير مستدامة من الوجهة البيئية. لكنْ بالرغم من أنَّ المواد البلاستيكية تشكل بالقطع مشكلة هائلة بالنسبة لنا حاليا، فإنَّ ذلك ليس قدراً محتوماً.
فالمشكلة الرئيسة في هذا الصدد لا تتعلق بالبلاستيك نفسه كمادة، وإنما بما يُعرف بـ "النموذج الاقتصادي الخطي" السائد في العالم، والذي يتألف من مراحل؛ تبدأ بإنتاج السلعة وتمر باستهلاكها وتنتهي بالتخلص منها. ويفترض هذا النموذج أنَّ النمو الاقتصادي لا ينتهي، ولا يضع في اعتباره الطابع غير المتجدد لكثير من موارد كوكبنا.
غير أنَّ هناك العديد من السبل التي يمكن لنا من خلالها، وضع البلاستيك في دورة حياة مختلفة. ومن بينها طريقة أعكف على العمل عليها، وتتمثل في تحويل المواد البلاستيكية المستعملة، إلى مواد بناء شديدة القدرة على الاحتمال، وموثوق بها، ومستدامة كذلك.
في الوقت نفسه، يعتقد معظم الناس أن ثمة الكثير من الصعوبات والقيود، التي تكتنف عملية إعادة تدوير المواد البلاستيكية، وأن أنواعاً قليلة منها، هي فقط التي تصلح لذلك. وليس ذلك بالأمر المفاجئ، على كل الأحوال. ففي بريطانيا مثلا، لا يتم إعادة تدوير سوى كمية محدودة للغاية من المخلفات البلاستيكية. فمن بين خمسة ملايين طن تُستخدم في هذا البلد سنويا، لا يُعاد تدوير سوى 370 ألف طن تقريبا، أي ما لا يتعدى سبعة في المئة.
ويتنافى ذلك مع الحقائق العلمية، التي تفيد بأنَّ كل البوليمرات صالحة لإعادة التدوير – تقنياً – بنسبة 100 في المئة. لكن بينما تتسم بعض هذه المواد بالقابلية لذلك بشكل مثالي، إذ يمكن إعادة الاستفادة منها مرات تلو أخرى لإنتاج العناصر نفسها، يتعين تقطيع البعض الآخر، إلى شرائح وإذابته كي يتسنى تدويره.
 
"خصائص ميكانيكية"
وربما تتسم المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها، بأنها ذات "خصائص ميكانيكية" أقل من تلك التي تتحلى بها نظيرتها التي لم تمر بعملية إعادة التدوير، نظرا إلى الضعف الذي يصيب السلاسل البوليمرية في كل مرة يتعرض فيها البلاستيك للإذابة وإعادة المعالجة.
لكن هناك طريقة لاستعادة هذه الخصائص، من خلال تعزيز قوة المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها، عبر مزجها ببلاستيك لم يُعد تدويره، أو بمواد أخرى.
أما باقي المواد البلاستيكية، فبالإمكان – فنيا - إعادة معالجتها لتتحول إلى مواد أخرى، يمكننا الاستفادة بها في استخدامات مختلفة. وهكذا يمكن القول إجمالاً، إنَّ أي مخلفات بلاستيكية، قابلة لأن يتم تقطيعها لشرائح، واستخدامها لملء أي فراغات في الأسفلت الذي يتم به تعبيد الطرق مثلا، أو تحليلها بالحرارة لإنتاج وقود. 
 
غير قابلة للتدوير
المشكلة تتمثل في أنَّ إعادة تدوير الجانب الأكبر من هذه المخلفات البلاستيكية، ليس ممكنا في الوقت الحالي، وغير مربح أيضا. ولذا يعدُّ خبراء قطاع إعادة التدوير، المواد المُكوّنة من بوليمرات مثل المطاط واللدائن واللدائن المضادة للحرارة والمخلفات البلاستيكية المخلوطة بمواد أخرى، غير قابلة للتدوير من الأصل. وتشير التقديرات إلى أنَّ هذه المواد موجودة في شتى أنحاء العالم، بكميات هائلة على نحو مخيف، بل وبشكل يتزايد باطراد كذلك. فماذا لو بات بوسعنا الانتفاع منها لتصنيع شيء ما مفيد للمجتمع؟
وفي الوقت الحالي، تحاول الكثير من الجامعات ورجال الأعمال تحقيق هذا الهدف. وتستهدف غالبية الوسائل المتبعة في هذا الشأن، المخلفات البلاستيكية المختلطة بمواد أخرى، وتسعى للانتفاع بها في أغراض، تختلف عن تلك التي كانت تُستخدم فيها في الأصل.
فالبلاستيك يتسم بأنه قوي وقادر على التحمل ومقاوم للمياه وخفيف الوزن وتسهل إعادة تشكيله، كما أنه قابل لإعادة التدوير؛ أي أنه يتمتع بكل الخصائص الرئيسة، لأي مادة من مواد البناء. ويطرح هذا تساؤلا مفاده: ما الذي ستكون الحال عليه إذا أصبح بمقدورنا تحويل كل هذه المخلفات البلاستيكية إلى مواد بناء، من شأنها خدمة الشرائح الأقل دخلا في المجتمع؟.
ويعكف فريق علمي حاليا على تطوير كتل بناء قابلة للاستخدام، مصنوعة من مواد بلاستيكية مُعاد تدويرها. وقد أعد مجموعة من العناصر التي يمكن الانتفاع بها لهذا الغرض، مستخدمين في ذلك مزيجا من البلاستيك الذي لم يتعرض قط لإعادة التدوير، وذاك المعاد تدويره.
لكن من المأمول أن تكون التوجهات السائدة في هذا الشأن عالميا، قد بدأت في التغير، وذلك في ظل التأثير الناجم عن الضغط المتزايد الذي يمارسه الرأي العام على صعيد مشكلة التلوث البلاستيكي. وهكذا فبفضل تفاعل الحكومات وممثلي القطاعات الصناعية المختلفة، مع فكرة "الاقتصاد الدائري" الذي يستهدف القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد، يبدو أنه ستكون هناك فرصة في الأسواق وفي أذهان الناس أيضا، للترحيب باستخدام النفايات البلاستيكية، للحلول محل مواد البناء التقليدية.