شمخي جبر
في تاريخنا كله لا توجد لحظة تستحق الاستذكار والاستلهام كلحظة عاشوراء وواقعة الطف التي كانت فيها دماء الحسين عليه السلام شمسا للحرية وثورة للتصدي للانحراف في حياة الامة .
فكانت هذه الوقفة المبدئية وستبقى درسا تربويا واخلاقيا وانموذجا واسوة يتأسى بها المظلومون في مواجهة ظالميهم فثورة الحسين راية يرفعها الشرفاء ضد الانحراف والفساد.
فالحسين كثورة ومنهج ورمز ليس لطائفة بعينها او لدين بذاته ، وان تبنت طائفة ما هذه الثورة الا انها ليست حكرا لها. وان كان الحسين مسلما كما هو معروف الا ان ثورته ليست للمسلمين فحسب، بل هي مصدر الهام للانسانية جمعاء .
ثورة الحسين عليه السلام ثورة للانسانية جمعاء ، فهي ثورة الحق ضد الباطل وثورة الحرية والكرامة ضد الخنوع والخضوع والاستسلام.
اسئلة عديدة تحضر مع عطر الذكرى واحزانها، من يجاري مبدئية الحسين ونزاهته؟ اصطحب ابنائه وال بيته وهو يتوجه للموت من يتعامل مع اصحابه كما تعامل الحسين مع اصحابه وانصاره؟
هل نستطيع الاقتداء بالحسين كمدرسة اخلاقية شاهقة السمو والرفعة؟ الحقيقة للاسف فمازال البعض متمسكا بالقشور والرياء تاركا بل كارها لمبدئية الثورة ومنهجها الاخلاقي لان ثمن هذا المنهج وهذه المبدئية باهظ جدا .
ذاكرة عاشوراء وتاريخها مليئة بالمواعظ والقيم الاخلاقية والتربوية التي يمكن الاهتداء والتأسي بها كقيمة البطولة والاقدام والتصدى للانحراف والثورة على الظالمين وقيمة الفداء والجود بالنفس (الجود بالنفس اعلى غاية الجود) والايثار وتقديم اغلى مايمتلكه الانسان وهي روحه.
هذه القيم واستحضارها تربويا واخلاقيا وتحويلها الى منهج تربوي اخلاقي نحن بحاجة اليه لاعادة التوازن لقيمنا الاجتماعية المتخلخلة تحت تأثير الوافد الثقافي الذي يفرض مركزيته ويسعى لمسح مايعترضه.
الصبر والثبات الذي عبر عنها الحسين وال بيته وصحبه هو الاخر مصدر قوة لاستعادة الامة لروحها في مواجهة التحديات باستجابات بمستواها بل اكبر منها واقوى لتحقيق الثبات في الحاضر لبناء المستقبل .مانتحدث عنه ليست دعوات ماضوية كما يفهم البعض ويفسر بل هي دعوة لاستلهام الدروس من قيم الماضي وليس استحضاره او الذهاب اليه .
حين نقول ان عاشوراء ايقونة الثورة ومثابة الثوار فنحن نقصد انها لحظة مجيدة يمكن السعي لتحويلها الى مرجعية للاصلاح ومصدر قوة للمصلحين .خلود اللحظة رغم مارافقها من حزن وفقدان ومآس هو مصدر اشعاعها وبريقها الاخاذ الذي يشد القلوب والعقول اليه والذي رسم لوحة (انتصار الدم على السيف) فهزم السيف واندثر وذهب حملته الى البوار والخسران وسطعت شمس الدم التي مثلت شمس الحرية والكرامة والتصدي للانحراف والفساد والافساد.كان لواقعة الطف اثارها في حياة الامة عبر التاريخ اذ لم يخمد سعيرها بل ظل مستمر التوقد يقتبس منه المصلحون كلما كانت الحاجة قائمة لنهضة اصلاح وتصدي .
استحضار لحظة عاشوراء ظل قائما والتأسي بوقائعها بقى مستمرا كلما طغى الظالمون واستبد المنحرفون وشاع الفساد ..لهذا ترتعد فرائص الحكام المستبدين كلما حانت ذكراها فيدعون القرب او الوصل بها ولكن الفرق بين الحالين كالفرق بين الثرى والثريا.