صادق كاظم
بعيداً عن الإرث القمعي الذي زجت فيه الطبقة السياسيَّة الحاكمة في العهدين الملكي والجمهوري الجيش العراقي في خضم أزماتها وصراعاتها, يظل مؤسسة وطنيَّة صاحبة موقف بطولي مشرِّف في مكافحة الإرهاب والدفاع عن البلدان العربيَّة في معاركها ضد الصهاينة في الحروب الثلاث التي دارت. كان الجيش ومنذ تأسيسه حتى سقوط النظام الديكتاتوري الاستبدادي عام 2003 مؤسسة خاضعة للقرارات السياسية ولرغبات الدكتاتورية التي تحكمت بهذه المؤسسة ووظفتها لخدمة أطماعها وحروبها فكانت حروب الخليج الثلاث واحدة من المآسي التي تحكمت من خلالها المغامرات السياسية والأهواء وغياب الحكمة في مصير البلاد وزجت فيها الجيش العراقي في حروب لم تربح منها البلاد سوى الخراب والدمار.
الجيش العراقي صاحب إنجاز أول جيش في المنطقة ينفذ انقلاباً عسكرياً عام 1936 ويفتك من خلاله جنوده وضباطه بوزير دفاعه والذي كان أحد المؤسسين لهذا الجيش الذي بني في البداية وفق التقاليد العسكرية العثمانية والبريطانية وأنظمتها الصارمة. كانت السياسة، واحدة من المشاكل التي تعرضت لها المؤسسة العسكرية خلال تاريخها المعاصر قبل أنْ يدخل جنرالات الجيش السابق القصور المدنية كحكام للبلاد إما كرؤساء للوزارات أو الجمهوريات في جولات انقلابيَّة ظلت متواصلة لسنين طويلة.كان انقلاب تموز 68 انعطافة تاريخيَّة وعلامة فاصلة في تاريخ الجيش الذي تعرض للتدمير الممنهج من قبل نظام الانقلابيين من خلال إبعاد القيادات المهنية الكفوءة الرافضة للخضوع لرغبات النظام الديكتاتوري السابق والزج بالعرفاء السابقين كجنرالات يقودون الجيوش ويضربون المدن الآمنة بالأسلحة الكيمياوية والقذائف الصاروخيَّة المدمرة ويملؤون الصحاري الشاسعة بأجساد المواطنين الآمنين الأبرياء عبر تحويلها الى مقابر جماعية لهم. بالمقابل تمتلك المؤسسة العسكريَّة العراقيَّة إرثاً وماضياً بطولياً مشرفاً عندما حمل الجنود العراقيون السلاح للدفاع عن الأراضي العربيَّة في فلسطين والجولان وسيناء, إذ سطرت البطولات في مواجهة الصهاينة ومنعهم من تحقيق أهدافهم في السيطرة على الأراضي العربية, إذ قدم الجيش العراقي الآلاف من الشهداء الذين سقطوا على تلك الأرض العربية.
كانت إعادة بناء الجيش وفق مفاهيم جديدة بعد عام 2003 واحدة من أعقد المهام التي واجهت عملية بناء الدولة وما صاحب عملية البناء من ضرورة مأسسة القوات المسلحة ووضع ضوابط دستورية لعملية قيادتها, فضلاً عن تحديثها عبر تزويدها بالأسلحة والمعدات القتالية التي تسهم في رفع كفاءتها للقيام بواجباتها مع تكليفها بمهام تسلم الملف الأمني من الجيش الأميركي في المناطق والمدن المختلفة وقتها, علاوة على مواجهة العصابات الإرهابيَّة المسلحة التي شكلت أعقد وأصعب تحدٍ أمني واجهته البلاد في مرحلة ما بعد التحرير, إذ كان هناك عشرات الآلاف من الإرهابيين المسلحين المدعومين من جهات إقليميَّة ودوليَّة وفرت لهذه العصابات الدعم المالي والإعلامي, فضلاً عن عمليات نقل العناصر الإجرامية المسلحة داخل العراق.
لقد خاضت قواتنا المسلحة البطلة معارك شرسة ضد هذه العصابات لإنهاء سيطرتها ووجودها الإرهابي في مختلف المناطق وحماية الأهداف الرئيسة والمهمة في البلاد من خطر الإرهاب الذي كان يستهدف المواطنين الأبرياء في الطرقات والمدن والمساجد والأسواق وبشكل عشوائي. لقد كانت معارك التحرير الأخيرة ضد عصابات داعش واحدة من الصفحات البطوليَّة التي سطرتها فرق جيشنا الباسل, إذ نفذت قطعات الجيش العراقي الباسل وبمؤازرة بطوليَّة من قبل قطعات الحشد الشعبي مهامها القتاليَّة الموكلة لها وبحسب الصفحات التي تضمنتها خطط العمليات, إذ تمكنت قوات الجيش العراقي من تحطيم دفاعات داعش والاندفاع نحو عمق الأهداف
وإسقاطها.
89 عاماً مرت على تأسيس الجيش العراقي في مشهد يؤكد أنَّ الصورة تغيَّرت عما كان عليه الأمس، فالجيش العراقي اليوم يدافع عن البلاد من دون الحاجة الى أنْ يشن الحروب ويغزو دول الجوار فهو مؤسسة باتت تصنع السلام والتضامن بين العراقيين وتحفظ أرواحهم في مواقف زاهية, حين يحمي الجنود بأجسادهم المواطنين مانعين الإرهابيين المجرمين من تنفيذ جرائمهم.