الصين.. الطريق الطويلة الى تايوان!

آراء 2019/01/08
...

عبدالامير المجر 
في العام 1912 وبعد رحلة نضال استمرت نحو عشر سنوات، أطاح الزعيم صن يات صن، بأسرة تشينج التي حكمت الامبراطوريَّة الصينيَّة من العام 1644 حتى العام 1911، وقام بتشكيل أول حكومة وطنيَّة.
ينقل عن الرجل، أنه كان فيلسوفاً ومنظراً وقائداً سياسياً، وأيضاً كان مناضلاً صاحب قضية كبرى، أحبه الصينيون ومنحوه لقب (أبو الأمة).. وفي العام 1913 أعلن قيام (جمهورية الصين الديمقراطية الموحدة)، وأمسك بالبلاد من خلال حزبه القومي المعروف بـ(الكومنتاج)، وبدأت الصين رحلة جديدة. 
في العام 1921 تأسس الحزب الشيوعي الصيني، الذي شارك من قبل في اجتماعات الأممية الثالثة في العام 1919 في روسيا، بصفته حزباً اشتراكياً، قبل أنْ تنبثق عن تلك الأممية، منظمة الشيوعية الدولية (الكومنترون) ويتحول الحزب الاشتراكي الصيني الى حزب شيوعي، يتبنى الماركسية اللينينية، أسوة بالأحزاب الأخرى المشاركة.. لقد كان هدف الحزب الأخير تأسيس نظام شيوعي في الصين، لكنَّ العقبة التي أمامه هي، الحزب القومي الديمقراطي (الكومنتاج)، الذي يقوده صن يات صن، الزعيم القوي والمحبوب من قبل الشعب.. ولأنَّ من غير الممكن أنْ يستقر سيفان في غمد واحد، كما يقول المثل العربي القديم! فكان لا بدَّ من إطاحة أحد الحزبين بالآخر والانفراد بحكم هذا البلد الكبير، أو هذا ما حصل لاحقاً.
في العام 1925 توفي الزعيم صن يات صن، وتسلم مقاليد الحزب والدولة، خلفه، شيانج كاي شيك، بينما كان الحزب الشيوعي (حزب الشعب) يتمدد وتتعاظم قدراته، لكن (الكومنتاج) لم يكن بأقل قوة أو نفوذاً. وفي العام 1927 انفجر الخلاف بينهما وتحول الى حرب أهلية. ولكن بعد غزو اليابان لمقاطعة منشوريا الصينية، في العام 1931، أوعز الزعيم السوفييتي ستالين، لرفاقه الصينيين بإيقاف قتالهم ضد (الكومنتاج) والإسهام معهم في تحرير منشوريا، لأنهما باتا في مواجهة عدو مشترك. لكن ستالين تعرض لانتقادات شديدة، بسبب نصيحته تلك، بعد أنْ استثمر الزعيم شيانج كاي شيك تلك الظروف، لإضعاف حزب الشعب وتصفية الكثير من أعضائه، وتحولت تلك الحرب الوطنية ضد الغزاة اليابانيين الى بداية لحرب مؤجلة قادمة بين الحزبين.. في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة السوفييت، تحررت منشوريا، وخرج الحزب الشيوعي، أو حزب الشعب، هو الأقوى، طبعاً، لتبدأ الحرب الأهلية من جديد، وهذه المرَّة ستكون حاسمة، والغالب هو من سينفرد بحكم الصين.
لقد بدأت الحرب الأهلية الثانية، إنْ جازت تسميتها، في العام 1946 واستمرت الى العام 1949 وحسمت بشكل شبه نهائي في العام 1950 لصالح حزب الشعب بقيادة ماو تسي تونغ، وهرب قادة الحزب القومي الصيني (الكومنتاج) الى جزيرة تايوان الصينية، ليعلنوا بأنَّ الذي حصل هو انقلاب على الشرعيَّة، وأنَّ عودتهم رهينة بإسقاط الانقلاب، وهو ما لم يحصل حتى اليوم!!  لقد وقف الغرب مع النظام المنهار وقياداته الهاربة لجزيرة تايوان، بصفتهم الممثلين الشرعيين للدولة الصينيَّة، ومنحت الجزيرة عضوية الصين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبات لها حق النقض فيه أيضاً الى جانب الأربعة الكبار الآخرين. بينما كانت القيادة الشيوعية تمارس مسؤوليتها في العاصمة بيجين او بكين، ويعترف بها العالم الشيوعي والاشتراكي، وظل الأمر معلقاً حتى العام 1971 حيث أعيدت الشرعية الى النظام الشيوعي، لأنَّ من غير المعقول، استمرار حكومة هاربة لجزيرة صغيرة لا يتجاوزعدد نفوسها بضعة ملايين وقتذاك، بتمثيل شعب يتجاوز السبعمئة مليون إنسان، وهو فعلياً خارج سلطتها.
مؤخراً، سمعنا حديثاً عن محاولة تايوان الاستقلال تماماً عن الصين، بعد أنْ باتت (دولة) رأسمالية ونفوسها أكثر من 23 مليون نسمة، وتكرس فيها نمط من الحياة يختلف عن نمط الحياة التي عرفها الصينيون طيلة العقود الطويلة التي مرَّت، وسمعنا ايضا بتهديد صيني باستخدام القوة لمنع ذلك.. لكن الشيء اللافت في الأمر، هو أنَّ قادة تايوان الذين ظلوا يتحدثون عن ضرورة عودة الديمقراطية للصين الموحدة، وبضمنها تايوان طبعاً، ويدافعون عن عقيدتهم تلك، كيف يمكن أنْ يجعلوا من تايوان دولة مستقلة، ويسلخوها عن الصين، البلد الأم، وكيف ستكون عقيدة (الكومنتاج) الجديدة إذا ما استقلت الجزيرة وباتت دولة مجاورة للصين، أو يفصلها عنها البحر فقط؟! 
الدولة الصينية الشيوعية، لم تغادر روحها القوميَّة، بل عملت على لملمة أجزائها المبعثرة، مثل هونغ كونغ، التي عادت الى سيادتها في العام 1997 بعد أنْ كانت تحت السيطرة البريطانية منذ العام 1842 ومن ثم عودة جزيرة ماكاو في العام 1999 بعد أنْ كانت تحت السيطرة البرتغالية. ولم يبق سوى تايوان التي يبدو أنَّ حلم عودة الصين الديمقراطية الرأسمالية، غادرت عقول الكثيرين فيها، ساسة ومواطنين، وبات هناك حلمٌ جديدٌ يعيش معهم، ألا وهو حلم الاستقلال التام عن الوطن الأم. وهو حلم يصعب توقع تحققه، ويصعب ايضا حلم الصينيين بعودة الابن التايواني الضال، بعد تلك الرحلة الخلافية الطويلة.
نعم، تعيش الأمم قصصاً غريبة وتترك وراءها تواريخ من الكوارث المختلفة، إذا ما حكمتها عقائد حادة متناشزة، وإنَّ الخاسر الأكبر دائماً وباستمرار، هي الشعوب التي يبقى الرابط الوطني بينها هو الأقوى، وهو ايضا الضحيَّة الأكبر!.