د.سعد العبيدي
مرَّت قبل أيام الذكرى الثامنة والتسعون لتأسيس الجيش العراقي، قرنٌ من الزمان، وظروف ألمت به منذ يوم تأسيسه عام 1921 والى هذا اليوم، وفي مجاله لو تصفحنا التاريخ جيداً، سنجد أنَّ هذا الجيش يستحق الوسم بالبطولة، ليس لمواقف سجلت له فقط، بل ولظروف وصعوبات واجهته، استطاع العبور من على حافاتها بسلام، إذ وبعد تأسيسه مباشرة، أقحم في قتال مباشر مع عشائر الوسط والجنوب التي تمردت على الدولة، وبعد انتهائها وقبل أنْ يأخذ فرصته في التدريب وإعادة التنظيم قاتل في الشمال بالضد من حركات كردية، ومن بعدها وقبل أنْ تنتهي الحركات في المناطق الكردية قاتل الآثوريين في المناطق المسيحية من سهل نينوى، وفي بداية الأربعينيات وبعد أنْ تعافى من انقلاب بكر صدقي الذي انتهى باغتياله في الموصل، قاتل الانكليز في سن الذبان معركة انتهت بالقضاء على حركة مايس التي قادتها مجموعة ضباط ورشيد عالي الكيلاني، هدأت بعضها الأمور نسبياً عدا كردستان التي لم تهدأ يوماً حتى حلول الانتفاضة عام 1991، وتدخل الأمم المتحدة لتحديد منطقة آمنة للأكراد.
إنَّ الفترة التي شهدت هدوءاً نسبياً كانت بعد انتهاء حرب فلسطين عام 1948 التي شارك فيها هذا الجيش بكفاءة مشهودة، والى العام 1958 ليرتكب بعض قادته خطأ قاتلاً بالاشتراك مرة أخرى في انقلاب عسكري آخر غيروا فيه نظام الحكم من ملكي دستوري الى آخر جمهوري ثوري، وكأنهم في اشتراكهم هذا فتحوا أبواب الاضطرابات على العراق من جهة وعليه جيشاً مهنياً من جهة أخرى، إذ وبعد أربع سنين شهد مشاركة أخرى في انقلاب آخر قاده البعثيين عام 1963، تلته سلسلة من الانقلابات المتكررة بقيادة الشيوعيين والقوميين فشلت لتمهد الى انقلاب جديد قاده بعض ضباط الجيش البعثيين عام 1968. هذا وان كل انقلاب يحدث يشهد الجيش تطهيراً بين الضباط المؤيدين والمتعاطفين أو المناوئين والمعادين يأخذ من قدراته مأخذاً، حتى تمت تهيئته جيشاً مسيساً ليخوض حرباً مع إيران، كانت سياسية بامتياز، طويلة، بل وهي الأطول بين حروب المنطقة خلال قرن من الزمان، لم يشف من جراحها ليدفع قسراً لغزو الكويت، الحرب التي مهدت الى حصار دفع الجيش العراقي خلاله ثمناً باهظاً من قدراته التسليحيَّة والتأهيليَّة، خلاله أقحم تجاوزاً على المعايير وحساب القدرات في حرب كونية عام 2003، لم يقاتل فيها حقاً في تمرد شبه جماعي على قيادته السياسيَّة التي أعطت لنفسها رتباً عسكرية ظنت بوجودها أنها ملهمة في القيادة والتخطيط، فاصطدمت بحواجز أدت الى حل الجيش وتدميرها وتغيير نظام الحكم الى ديمقراطي، لم يشف وجيشه الذي أعيد تأسيسه من جديد من جراحها وحروب أخرى، فدعوانا له بالشفاء والبقاء بطلاً في ساحة صراع لا يمكن مغادرتها بأي حال من الأحوال.