د. صلاح الجابري
في ضحى الثلاثاء الماضي بتاريخ 1/1/ 2019 ابتعتُ باقةً من الزهور الطبيعية من بائع الورود في ساحة كهرمانة وكنت مطمئناً أنّي أحمل نهجَ عليٍ عليه السلام وليس مجرّد باقة زهورٍ فحسب. يمّمتُ وجهي صوبَ الكنيسة (كنيسة القديس يوسف) بصفتي عميداً لكلية الآداب/ جامعة بغداد.
استقبلتني الدكتورة عنان في باب الكنيسة، وحمل أحد الشباب المستقبِلين الزهور من يدي ووضعها في كأسٍ كبيرةٍ مملوء نصفها بالماء وزيَّن بها أحد أعمدة مسرح الكنيسة.
حضرتُ جانباً من القداس وكان خطاباً أخلاقياً انطوى على بعدٍ عرفاني... كان مخي يحدث تفريغات عصبية تحوّل خطبة المطران إلى رمزية إسلامية، على سبيل المثال، المبدأ الفلسفي "معرفة الذات" الذي امتزجت عبر التفريغات العصبية بمقال علي عليه السلام: "ميدانكم الأول أنفسكم فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن خُذِلتم فيها كنتم في غيرها أعجز فجرّبوا معها الكفاح أولاً، ومن وحدة الوجود المسيحية إلى وحدة وجود ابن عربي وشطحات الحلّاج وحلوليته... ومن الإنسان الكامل في خطبة قداسة المطران لدى المسيحية إلى نظرية التطور الجوهري عند صدر الدين الشيرازي التي ترتقي بالمادة إلى روح وبالإنسان إلى كائن ملائكي عبر أسفارٍ أربعة. كان هذا موضوع النقاش مع المطران على القهوة في بيته بعد القداس، إذْ أصرَّ بشوق على استضافتي في
بيته..
في أحد بنود القداس كانت تنبعث موسيقى روحانية هادئة من إحدى زوايا الكنيسة يتخللها صوت ملائكي يترنم بألحانٍ سماويةٍ في مدح يسوع المسيح ومريم العذراء، تطاولتُ، برفع كعبي قدمي، لأدقق النظر لأعرف مصدر هذا الصوت الشجي، ياللهول! إنه ينبعث من حنجرة زميلتنا الدكتورة عنان... وفي نهاية القداس قرأت ابتهاج أغلب الحضور بوجودي على ملامح وجوههم الممتلئة ابتسامة... سمعتُ خلفي همساً يتنادى بينهم بأنَّ هذا عميد كلية الآداب ويبدو أنهم قرؤوا البطاقة المعلقة في باقة الزهور (يا عيني شگد إنسان طيب جايب ورد ويباركنا بعيد الميلاد، قالت إحداهن بسرور بالغ)، وبعد القداس سلّم أغلب الحضور عليّ (ربما كنت ممثلاً عن إيليا!) سألني بعضهم عن كلية الآداب (ويبدو أنَّ بعضهم متخرج فيها) إحدى الأخوات في خدمة الكنيسة هي أستاذة في قسم اللغة الانكليزية في كليتنا، كما التقيت بإحدى الأستاذات متقاعدة من قسم اللغة الفرنسية سابقاً قبل انفصال كلية اللغات عن كلية الآداب.... أعترف أنها كانت تجربة رائعة لي.. كان لنصوص الإمام علي عليه السلام حضور في نقاشي مع قداسة المطران والأب الآخر الذي من الارجنتين... الشيء الجميل والذي يبدو يشكل أساساً إنسانياً للحوار الديني والثقافي هو أنهم أي المطران وآباء الكنيسة يميلون للبعد الروحاني من الإسلام الشيعي والسني والعرفاني والصوفي بعامة أكثر من المذاهب التقليدية الرسمية المقترنة بالسلطة والمال، وأظن أنهم يفهمون حكماء إيران وعرفانييها وروحانية الإسلام أكثر من القوميين العرب ناهيك عن سلفييهم.. كان لفاطمة الزهراء ومريم العذراء حضور في الحديث بل لصدر الدين الشيرازي ومحمد باقر الصدر حضور مبهر في
النقاش.