حرب الملفات

آراء 2019/01/08
...

علي حسن الفواز
نحن لسنا بعيدين عن معطيات، والتباسات الصراع الدولي، ولا الاقليمي، وهذا اللابعد يجعلنا عرضة لتداعيات هذا الصراع، في سياق البحث عن المصالح، أو في سياق حروب الهيمنات والاجندات، وحتى في الصراع المفتوح على الثروات والاسواق والاطماع ومناطق النفوذ والجغرافيا السياسية، وحتى على العسكرة الكونية..
الحالة العراقية تدخل بعد خمسة عشر عاما في تواليات هذا الصراع، غير المحسوم، والذي لن يُحسم في القريب العاجل، الى منطقة تتسع فيها حقول ألغام ذلك الصراع الغامض، وهو ماينعكس بشكلٍ خطير على هوية الدولة الجديدة، وعلى تمثلاتها السياسية والأمنية، وعلى طبيعة العقد السياسي والوطني الذي يفترض اقامته مع نشوء الديمقراطية، وأحسب أنّ التعاطي مع هذه الديمقراطية البسيطة، وغير الواضحة سيكون مصدرا لصناعة مزيد من الأوهام، ومن التقاطعات بين الجماعات والطوائف والفرق السياسية.
تحوّل الصراع الروسي الامريكي من حالته الافتراضية الى حالته الواقعية، والى اعادة انتاج شكلٍ آخر للحرب الباردة، وكذلك تعقّد الصراعات والحروب الاقليمية، وفشل الحركات والأطر الاديولوجية القديمة في سياقها الحمائي، واندماجها داخل المنظومات الحاكمة، سيضع الدولة العراقية أمام مجالٍ مشوشٍ تتعسّر فيه مستويات النظر الى موضوع استقلالية النظام السياسي، والى تكامله، والى انضاج عوامل تحوله الديمقراطي والدستوري، والى حسم ملفات داخلية تُغذّيها اسباب ذلك الصراع الدولي والاقليمي، وهو مايعني تضخيم المشكلات، وتعقّد تأطير المشروع السياسي الوطني، وحتى في اقرار القوانين اللازمة، والسياسات التي من شأنها أنْ تجمع الفرقاء على عقد سياسي، أو حتى على (عقد تواصلي) كما يُسميه الفيلسوف يورغن هابرماس للتخفيف من التقاطعات، والاحتقانات السياسية، ومن التهديدات الأمنية..
الاوهام والحقائق
التفكير خارج الواقع سيدفع هذه الجماعة او تلك الى بناء اوهام حول حساباتها السياسية، مقابل تجاوزها على حقائق ذلك الواقع ومعطياته، والتي تفترض مراجعة واقعية لذلك، وعبر  الركون الى خيارات عقلانية، والى مواقف تتطلب حرصا ومهنية، وبالشكل الذي يمكن أنْ يُغذّي عوامل النجاح والتواصل السياسيين، ويقطع الطريق على تضخم تلك الاوهام، والتي ستكون قابلة للتحوّل الى اشكالٍ للعنف، والكراهية، والعودة الى سياسة الخنادق القديمة.
الانسحاب الامريكي من سوريا، ووصول بعض القوات الى العراق، والتوافق التركي الامريكي حول الملف السوري، كلّها تمظهرات تكشف عن الطابع التحولي للصراع، ولمناطق النفوذ، والذي يعني مواجهة ملفات أخرى تحاول الولايات المتحدة وضعها على الطاولة، منها مايتعلق بملف المستقبل العراقي، ومنها مايتعلق بالملف الايراني وعلاقة هذا الملف بجملة من الصراعات الاقليمية، إذ ستحمل تلك التعالقات نُذر صراع أو شؤوم، وستجعل المنطقة فضاء مفتوحا لصراعات سياسية واقتصادية ومعلوماتية، وربما عسكرية، والتي تعيش طور انتظار  ما يمكن أنْ يتمخض عنه التوافق الروسي الامريكي، فهما صاحبا النفوذ والمصالح في المنطقة، وحتى التوافقات الاخرى، مثل توافق (استنا) بين ايران وروسيا وتركيا، وتوافق روسيا وتركيا، ستدخل في اطار التوافق الأكبر بين القوى الدولية..
الحالة العراقية المترقبة لما يجري، ستكون عرضة لتحديات كبيرة، فما يحدث في الداخل العراقي من تقاطعات، وسياسة لي الأذرع، ومن(صراع خفي) حول اكمال الكابينة الحكومية، وحول بعض القوانين الستراتيجية مثل قانون النفط والغاز لن تكون بعيدة عن تضخم الصراع الاقليمي، و لا عن خصوصية الملف الكوردي في المنطقة، وانحسار الحلم بكيان مستقل للحركات الكردية في الاقليم المأزوم، وخطورة الموقف الامريكي بالانسحاب من سوريا، وتداعيات ذلك على الصراع في الشمال السوري، والذي تمخض عن سيطرة(جماعة النصرة) الارهابية على مناطق مهمة في غرب الريف الحلبي بعد اندحار جماعة(نور الدين الزنكي) الارهابية والمدعومة من تركيا..
عودة النصرة الى المشهد الأمني قد تكون رسالة امريكية للدولة السورية، وللدولة العراقية، وللكرد، وكذلك هو رسالة خطيرة الى روسيا، والرغبة الامريكية في دفعها الى نوع من(حرب الاستنزاف)
التهديد الارهابي الجديد للدولة العراقية يفترض معالجات سياسية، مثلما يتطلب معالجات أمنية، وهو ما اعلنه السيد القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، لكن تداعياته ينبغي أن تدفع- في جوهرها- الى اعادة النظر بالتأطير السياسي الرصين والحقيقي للحكومة، وبطبيعة مواقفها الوطنية إزاء عديد الملفات المتشابكة، وبقدرتها على مواجهة التحديات الامنية من خلال معالجة الملفات العميقة لتلك الأزمة، ومنها ملف اعمار المدن المحررة، وملف المياه، وملف البطالة، ومواجهة المشاريع المتلكئة، ومواجهة الفساد الذي تحوّل الى رعب لا يقل ضراوة عن الارهاب نفسه..