عبدالحليم الرهيمي
بغضب واستهجان شديدين وادانات واسعة وجهت الى المفتي مهدي الصميدعي والى رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي .. وغيرهما ، ممن تسابق معهما في أطلاق (الفتاوى) التي لا تجيز او تحرم تهنئة مواطنيهم المسيحيين بعيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عيسى ابن مريم (ع) وعيد رأس السنة الميلادية ، وقد زاد بعضهم على هذه (الفتاوى) بتوجيه الاوصاف والأهانات القبيحة للمسيحيين وممارسة طقوسهم بهاتين المناسبتين بشكل هابط وخارج حتى عن ابسط اللياقات الاجتماعية المتعارف
عليها .. وكانت ردود الافعال ضد تلك (الفتاوى) ومطلقيها مهمة وضرورية وواجبة لكنها لم تكن ، بطبيعة الحال ، كافية ولم ترتق الى مستوى الآثار السلبية لفتاوي الفتنة والتكفير والكراهية الخطيرة المهددة لنسيج ووحدة المجتمع العراقي الذي يحتاج، اكثر ما يحتاج ، في هذه المرحلة الى الوحدة والتآلف والتسامح والتحابب وسيادة مبدأ الاعتراف بالآخر والتعايش السلمي معه .
لقد عمدت مراجع دينية وسياسية وثقافية واعلامية الى نقد وتفنيد تلك الفتاوي التحريمية التي تعبر بوضوح عن الفكر المتطرف المنتج والمؤدي للعنف والارهاب اضافة لما تمثله من أخطار وخروج على الشرائع السماوية والوضعية ومنها الدستور العراقي ، حيث تتمثل هذه المخاطر بـ:
- بث وأنعاش روح الكراهية والفتنة وعدم التسامح ورفض الآخر .
- مخالفة الشرائع السماوية والدستور العراقي النافذ لسنة 2005 والذي نصت الفقرة (ثانياً ) من المادة (2) التي تضمن (للافراد المسيحيين وغيرهم كامل الحقوق الدينية وحرية العقيدة والممارسة الدينية) وكذلك الفقرة (اولاً) من المادة (7) التي (تحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الأرهاب او التكفير ..) وايضاً البند (أ) من الفقرة (اولاً) من المادة (4) التي تؤكد على ان (اتباع كل دين او مذهب احرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية) .
- دفع ما تبقى من المواطنين المسيحيين الذين يبلغ عددهم اقل من 500 الف بعد ان كانوا عام 2003 بنحو مليون ونصف المليون ، الى الهجرة ومغادرة العراق ، وذلك تماماً مثلما فعلت الحركة الصهيونية واسرائيل بعد قيامها عام 1948 الى افتعال مختلف الاسباب الخبيثة لهجرتهم من العراق .
- أيجاد الاسباب او المبررات لنفور الشباب اساساً من التمسك بالعقيدة الاسلامية لرفض التحريض على مواطنيهم الآخرين من المسيحيين كأحتمال اول ، او تبلور قناعة لديهم كاحتمال ثان بـ (صحة) فتاوى التحريم والتكفير والكراهية حيث يؤدي ذلك الى قبول الفكر المتطرف وبما يسهل تجنيدهم بالتنظيمات
الارهابية .
- اما الخطر الاكبر لتلك (الفتاوى) التجريمية فيتجلى بما تمثلها من اختراق خطير للفكر المتطرف الداعشي لعقر دارنا فأذا كان شيوخ و (فقهاء التكفير) والفكر المتطرف من قادة (القاعدة) و(داعش) كأبن لادن والزرقاوي وابو بكر البغدادي . وغيرهم .. اصبحوا منبوذين ومرفوضين في المجتمع الاسلامي باستثناء انصارهم ومريدهم، فأن وجود شيوخ و (فقهاء) في عقر دارنا، رسميين او شبه رسميين ، ولهم حضور ومقبوليه ما لدى اوساط معينة في المجتمع وهو ما يمثل الخطر الاكبر لمن يتماهى ويحاكي افكار التطرف الداعشي
وفقهائه .
وازاء هذه الدلالات والمخاطر التي تمثلها (فتاوى التحريم) لبعض شيوخ الفكر المتطرف المنتج والمؤدي للأرهاب والعنف يطرح السؤال: ماذا فعلت المرجعيات الدينية ، والرسمية الحكومية ازاء مطلقي تلك الفتاوى
ومخاطرها ؟
لقد عبرت مرجعية النجف الاسلامية الشيعية عن موقفها الرافض بوضوح لتلك الفتاوى واصحابها مثلما اوضح (المجمع الفقهي الاسلامي العراقي " السني") موقفه الرافض ايضاً لتلك الفتاوى غير ان موقف قادة الدولة بقي غامضاً .
لقد اكد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء قبل اسابيع وفي اكثر من تصريح رسمي رفضهما وأدانتهما للفكر المتطرف والارهاب بشكل عام ، لكن ما هو مطلوب الان وبشكل عملي وملموس ليس فقط ادانة وشجب فتاوى شيوخ التجريم والاساءة للمكون المسيحي، كمكون اساسي ومهم من مكونات الشعب العراقي ، انما القيام بعد ذلك باتخاذ الاجراءات الرسمية بحق اولئك من دعاة الفتنة والكراهية والفكر المتطرف، ثم العمل على تقديمهم للقضاء لمخالفتهم – على الاقل – المواد الصريحة والواضحة في الدستور العراقي النافذ .. ان التلكؤ او التباطؤ في اتخاذ مثل تلك الاجراءات سيمثل تقصيراً كبيراً في منع انتشار الفكر المتطرف ودعاته في عقر دارنا، وبما، سيسفر عن ذلك من اخطار مستقبلية!.