السودان.. أزمةٌٌ تبحثٌ عن حلٍ

آراء 2019/01/11
...

حازم مبيضين
  لم يجد الرئيس السوداني المُزمن عمر البشير، غير اتهام قوى خارجية بافتعال الاحتجاجات التي تعم البلاد، وكأي دكتاتور يُنكر أن سياساته هي السبب، قال إن بلاده تتعرض لحرب اقتصادية منذ 21 عاماً بسبب العقوبات المفروضة عليها، وأنها رفضت أن تبيع استقلالها وكرامتها مقابل دولارات، وأنها  فقدت الكثير من مواردها ولا تزال مستهدفة من قوى كثيرة، وتذكر أخيراً أن الشعب السوداني يستحق حياة كريمة، واعترف أن الراتب الحالي غير مجز، وأعلن التزام حكومته برفع المعاشات وأكد وضع خطط لبناء المزيد من المساكن لمختلف الفئات. 
لاتمتلك الخرطوم إجابات مقنعة لمواجهة أزمة من صنع يديها، لكن من الصعب التكهن بنهاية حكم البشير. مع أن الاحتجاجات الراهنة تشير لاقتراب ساعة الحساب. ولو حصلت فإنها ستحمل معها آمالا عظيمة للقرن الإفريقي وخطراً حقيقياً في آن معاً. فسوف يتحرر السودان من وصمة رئيس متهم بجرائم الحرب، أما إن تمت إدارة السلطة الجديدة بطريقة جيدة فستكون إمكانيات السودان الاقتصادية عالية. وبالمقابل فإن نهاية فوضوية للنظام قد تجلب معها سنوات من النزاع والاضطرابات.
 خسر السودان، بانفصال الجنوب على يد البشير، موارد النفط التي كانت تدر المليارات، ودخل الاقتصاد حالة انهيار. وباتت البلاد بحاجة لتغيير سياسي للخروج من مأزقها، وللهرب من هذا الواقع المتمثل بديون بلغت 56 مليار دولار، وطالما استمر البشير حاكماً مُطلق الصلاحيات، فإن هذا ليس ممكناً، والحلول المُقترحة من جانبه، كرفع الرواتب ودعم الدولة للمواد الأساسية، وهو ما لاتتمكن دولته من توفيره، وللك فإنه مجبر على تقديم تنازلات سياسية لن يقدمها طواعية، إذ بعد انكشاف الغطاء فإن نجاته وحزبه لم تعد مؤكدة.
 بعيداً عن التبريرات غير المُقنعة، التي حاول حاكم الخرطوم والمتسبب بانفصال جنوبه عن الشمال، فالمعروف أن الاقتصاد السوداني شهد الكثير من المعاناة بسبب الصراعات الاجتماعية، والحرب الأهلية، وقد تأثر إنتاجه النفطي عام 1999لكنه اهتم باستخراج الذهب، وصناعة الصمغ العربي، لكن الاقتصاد السوداني ظل يُعاني من تدهور في أغلب المجالات بسبب التضخم، وعجز الميزانيّة المالية، وفقدان العائدات النفطية، وانخفاض الإنتاج الصناعي والزراعي، وساهم ارتفاع مستوى الأسعار بانخفاض قيمة النقود، ونتج عن ذلك تراجع لرأس المال، والاستثمارات المرتبطة بالقطاع الخاص، بسبب الخوف من اختلال التوازن الاقتصادي. 
كما أدى انخفاض احتياطي النقود الأجنبية إلى التدهور، وبسبب نُدرة احتياطي النقود الأجنبية، انخفضت قيمة الجنيه السوداني مقارنةً مع سعر صرف اليورو والدولار. وظهر عجز بالميزان التجاري وتراكمت الديون الخارجية، وانتشرت 
البطالة.
معروف أن نظام البشير لم يتعاط جدياً مع مسألة التنمية، رغم امتلاك السودان ثروات تؤهله لذلك، وبدلاً من هذا ظل هاجس بقاء المشير في الحكم طاغياً، ومتجاهلاً الإجابة على سؤال تقدم الدولة إلى المكانة التي تستحقها، وهكذا تغيرت جغرافيا السودان بانفصال جنوبه الغني، وتواترت الأحداث لتأتي اليقظة الشعبية المتأخرة، لتستدعي كثيراً من الحذر، وبدأت المخاوف من صوملة الدولة، وهي جاهزة بحكم جهوية تمتد من دارفور ولا تنتهي في كردفان، بحيث تتحول واحدة من نقاط القوة، التي لم تُستغل كغيرها، إلى نقطة ضعف خطرة. وإذ تمتعت السودان بميزة كونها حلقة الوصل بين الكتلة العربية والمدى الإفريقي، فان ذلك وضعها في موقع المطموع فيها، حد أن القاهرة اعتبرتها مُلحقاً يُستغل لتطويب مصر وسيطاً في هذه المعادلة التي تعثرت في مصر والسودان 
معاً.
وإذا كانت "الثورة" في السودان تأخرت، فإنها حملت معها تحديات هائلة، حيث لم يعد السؤال حول نظام البشير، المسؤول عن تحويل البلاد إلى مجرد دولة فقيرة ومنهكة، وإنما في الحديث عن اليوم الأول بعد البشير، إن تمت إزاحته، وإذ تزداد المخاوف من انتقال عدوى ما حصل في سوريا الى السودان، فإن المطلوب عدم تركه نهباً للفوضى، ما يتطلب وضع خطة طريق للخروج من مأزقه، بوجود البشير أو غيابه، فبدون السودان ستكون قدرة مصر على الاستقرار مهددة. 
وإذا كان سهلاً إدانة البشير، وهو يستحقها، فان الخوف هو استعادة  تفاصيل التجربة السورية، ولذلك فإن ممارسة الضغط من أجل الإصلاح، والخروج التدريجي والآمن لأركان كثيرة من النظام، تعتبر الخيار الذي يمكن أن تجربه الحالة السودانية في المرحلة الراهنة.