قره باغ.. ملف جديد في الصراع الإقليمي

الرياضة 2020/10/05
...

محمد صالح صدقيان 
 
تتصاعدُ حدة المعارك بين الدولتين الجارتين ارمينيا واذربيجان لتضيف ازمة جديدة على بقية الازمات التي تعيشها المنطقة وسط تكهنات بتدويل هذه الازمة لما لهذه المنطقة  من اهمية لأطراف متعددة اقليمية ودولية.
ارمينيا واذربيجان تشكلان الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي المنحل عام 1991 حيث لا تزال هذه الحدود وبلدانها مهمة لروسيا التي تعتبرها عمقا جيوستراتيجيا؛ اضافة الى ارتباط اذربيجان ببحر قزوين ذي الموقع الاقتصادي الستراتيجي على ايران وروسيا ؛ ناهيك عن الأهمية السكانية والاقتصادية للجارين المتنافسين تركيا وايران. 
هذه العوامل وغيرها تفتح شهية اطراف دولية خارج المنطقة للدخول على خط الخلاف الارميني الاذري من اجل الحصول على المزيد من الامتيازات الامنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية؛ والضغط على اطراف قريبة ومعنية بمنطقة النزاع. 
وفي اطار اصرار البلدين على المواجهة والحفاظ على مواقفهما خصوصا عند الجانب الاذري يبدو ان الازمة تتجه باتجاه التدويل ودخول اطراف خارجية خصوصا بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو لأثينا والدعم الذي ابداه للحكومة اليونانية . 
علاقات باكو مع طهران وموسكو جيدة لكنهما تبديان قلقهما بشأن النفوذ الاسرائيلي والاميركي في اذربيجان؛ وفي مسار اخر فان تركيا ترغب بمد خطوط النفط والغاز الاذري عبر اراضيها لاوروبا وبالتالي فهي ترى وجود مصلحة لها للحفاظ على هذه الخطوط امنة لنقل الطاقة. اليونان التي دخلت في نزاع مع تركيا حول جزر في البحر الابيض المتوسط لا ترغب ان تبقى حليفتها الدينية والمذهبية ارمينيا مكشوفة الظهر امام العدو التقليدي تركيا. اسرائيل تسعى لتقديم مساعدات لاذربيجان من اجل الحصول على امتيازات امنية حيث تتحدث التقارير عن حصولها على قاعدة عسكرية استغلتها لنصب منصات تجسس على ايران. الجانب الاميركي الذي يمتلك علاقات جيدة مع ارمينيا ومع حليفتها اليونان فانه يمتلك علاقات اكثر من جيدة مع اذربيجان وبالتالي فهو يلعب دورا مشتركا يثير الكثير من الشكوك؛ الا انه يدرك جيدا مع اسرائيل اهمية المنطقة لجهة التاثير في العدو المشترك ايران سياسيا وامنيا وقوميا. بالنسبة للمنطقة الخليجية فانها تجد نفسها مدعوة للمشاركة في هذه الازمة على خلفية النزاع الخليجي التركي؛ اما اوروبا فانها اعلنت صراحة دعمها لما تسميه بالحق الارميني في اقليم «ناغورني قره باغ» على خلفية مذهبية وسياسية تتعلق بالخلاف التركي الاوروبي.
وفي مثل هذه الاجواء تبدو ازمة اقليم «قره باغ» لا تطبخ على نار هادئة وانما تسير في اطار سياسة «حرق المراحل» مستفيدة من استحقاق الثالث من نوفمبر تاريخ الانتخابات الاميركية التي حولها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى استحقاق امني دولي بامتياز على جميع المسارات. 
طهران التي تتعرض لضغوط متزايدة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل تجد نفسها في خضم ازمة جديدة يراد لها ان تنعكس على الواقع الامني والسياسي. فأرمينيا ترتبط بعلاقات اقتصادية مع طهران في الوقت الذي ترتبط اذربيجان بعلاقات التاريخ والجغرافيا على خلفية وجود القومية الاذرية التي تقدر بـ 16 بالمئة من الشعب الايراني؛ وتحديدا في اربع محافظات ايرانية هي اذربيجان الغربية؛ اذربيجان الشرقية؛ اردبيل وزنجان؛ مع وجود حركة غير خفية في اذربيجان تنادي بالحاق اذربيجان الايرانية التي تسميها «الجنوبي» اليها باعتبارها اذربيجان الشمالية.  اللافت ان مندوبي ولي الفقيه في اربع محافظات ايرانية هي اردبيل واذربيجان الشرقية واذربيجان الغربية وزنجان قد عقدوا اجتماعا الاسبوع الماضي لتدارس تداعيات انعكاس النزاع الاذري الارميني على الواقع الايراني حيث اكدوا في بيان صدر عن الاجتماع اعترافهم الكامل بسيادة اذربيجان على اراضي اقليم «قره باغ»  مطالبين بعودة اراضي الاقليم لاذربيجان مستندين في ذلك على قرارات الامم المتحدة.
وتحاول ايران التوفيق بين مسارين. مسار مصالح الاقتصاد والتجارة مع ارمينيا خاصة بمجال الطاقة ودعم ارمينيا لطهران اقليميا ودوليا؛ ومسار مصالح مشتركات الجغرافيا والتاريخ والدين مع جار مهم كأذربيجان؛ ولذلك فهي تعمل على دعوة البلدين للجلوس على طاولة المفاوضات باعتبار الخطوة هي افضل الخيارات لحل النزاع.  وحتى الثالث من نوفمبر فان الجميع يحبس انفاسه من اي مغامرات جديدة قد ترتكب لتوظيفها في المعركة الانتخابية الاميركية.