بغداد: مآب عامر
يذهب الناقد الدكتور أحمد عزّاوي في كتابه “ما بعد الحداثة في النقد العربي الحديث- نقد النص الشعري” نحو الحدود الفاصلة – على نحو دقيق- بين مناهج الحداثة ومناهج ما بعد الحداثة.
ويقرّ الناقد بأننا مازلنا إلى هذا اليوم نقرأ أعمالاً نقدية يتصور مؤلفوها أنها تنتمي إلى النقد الحداثي في حين أنها تستخدم مناهج ما بعد الحداثة كالتفكيك ونظريات القراءة والتلقي والتأويل، من دون معرفة بالفوارق المعرفية التي تنطوي عليها هذه النماذج من جهة كونها تمثيلات أدبية لتوجهات فكرية ذات خصائص مختلفة اختلافا بيّنا.
يتعمق عزّاوي بداية في الحداثة وخصائصها التي تكشف عن هيمنة سلطة العقل على الجهل، وهيمنة النظام على اللا نظام، وكذلك هيمنة سلطة العلم على الخرافة، فضلا عن المقدرة النقدية والحركات الأدبية المتنوعة ورؤاها المختلفة، وغيرها، كما حين يقول: (يبدأ النقد الحداثي مسيرته مع مطلع القرن العشرين، إذ جعل بعض المؤرخين الغربيين الحداثة النقدية متزامنة مع نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، وظهور المنهج الشكلي الروسي وحركة النقد الجديد، ويؤرخ آخرون للنقد الحداثي مع صعود نجم البنيوية الأدبية في منتصف الخمسينيات).
يتوسع المؤلف في هذا الكتاب الذي صدر حديثاً عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق فيما يتصل بالنقد العربي، بأزاء التحولات الكبرى في الثقافة الإنسانية، فقد كان لزاما عليه أن يراجع مسيرته وأدواته، ويؤسس لبداية جديدة، ويتحرر من عقدة الأنموذج التراثي ومن وجدانية الرومانسية وحتميات النقد الاجتماعي والتاريخي، وفق تعبيره، وينطلق من النص إلى النص بمعزل عن عوامله الخارجية، وهو ما يؤسس الكتابة النقدية الجديدة.
يكشف الفصل الأول من الكتاب (مناهج ما بعد الحداثة/ الأصول والمقولات) عن أبعاد المنهج ومفهومه وقيمته في التأسيس النظري والممارسة النقدية.
أما الفصل الثاني (استقبال النقد العربي لمناهج ما بعد الحداثة) فيقدم القراءة التحليلية والتقويمية للعينات النقدية متجاوزا بذلك التجريد النظري إلى التدخل العملي في الخطاب النقدي.
وجاء الفصل الثالث (الاجراءات المنهجية في نقد الشعر) ليستكمل فحص العينات النقدية المنتخبة واشتغالاتها الإجرائية المنهجية في نقد النصوص الشعرية، واختار لمعاينة هذه الاجراءات ظواهر محدّدة).
ويطرح عزّاوي في الخاتمة مجموعة من النتائج، منها: إن الحداثة مرحلة تاريخية في الفكر الإنساني ابتدأت مع نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وأن معطيات المناهج النقدية للحداثة، أي المناهج النصية (النقد الجديد، الشكلانية، البنيوية، السيميائية)، فعرفت المناهج الجديدة أولا بمناهج ما بعد البنيوية، لكنها سرعان ما عرفت بمناهج ما بعد الحداثة، كما وتأخذ علاقة الشعر بالأجناس الأدبية والفنون أبعاداً جديدة في فضاء ما بعد الحداثة، فلا يعود حضورها من قبيل التوظيف أو الاستدعاء السطحي، بل إنها تتدخل جوهريا في مفهوم الشعر بعد أن أصبح حضورها أساسيا ومؤثرا في النسيج التعبيري للشعر، ومساهما في تحديد مقصدياته. وغير ذلك من النتائج. جاء الكتاب في (303) صفحات من القطع الكبير.
والدكتور أحمد عزّاوي حاصل على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث وما بعد الحديث والنظرية النقدية، صدرت له مجموعتان شعريتان، وهما “الحياة بعين بيضاء”، “عن الودائع وغيوم الذكريات”. أما في مجال النقد الأدبي فصدر له “بناء الشخصية في الرواية العربية” وغيره.