استقرار سوريا بين ترامب وأردوغان

آراء 2019/01/14
...

حازم مبيضين
لم يعد سراً الخلاف بين ترامب وأردوغان بشأن الملف السوري، بعد قرار انسحاب القوات الأميركية من الجغرافيا السورية، ورغبة تركيا باجتياح مناطق من تلك الجغرافيا، يتمركز فيها أعداؤهم الكرد. بينما بات واضحاً أن ترامب يفكر في آليات لحماية الكرد، بالتزامن مع قلق أوروبي من نتائج أي خطوة تركية عسكرية في شرق الفرات، ذلك أن للمسألة عند بون وباريس نتائج سلبية تتعلق بردود الأفعال، سواء على مستوى الرأي العام وحقوق الإنسان، والمخاوف من إعادة إحياء تنظيم "داعش" الإرهابي من جديد، والتسبب في حدوث موجة جديدة من الهجرة إلى أوروبا تكون مصدرها سوريا، ما يعني أن قيام تركيا بأي عملية عسكرية ستنتهي بالتأكيد بضحايا من المدنيين الكرد، سيزيد عزلة أردوغان.
قد يفكر بعض الساسة الأميركيين بإقامة منطقة حظر جوي في شمال شرق سوريا بشكل أحادي، ودون الاستناد لقرار دولي، ولأن المجال الجوي السوري محمي بأنظمة دفاعية روسية، فإن ذلك سيفضي إلى نوع من التوتر مع موسكو، مع ضرورة البحث عن جواب سؤال لصالح من ستكون هذه المنطقة وضد من؟ فالكرد يطلبون الحماية الأميركية لمنع تنفيذ أي عملية عسكرية تركية محتملة. 
وتركيا تنتظر دعماً جوياً أميركياً للقيام بعملية جوية ضد "داعش"، وفي الطريق القضاء على أي كيانات كردية 
هنالك.
أخذت أردوغان العزة بالإثم، ليؤكد قدرة بلاده على دحر داعش، ما منح ترامب الفرصة ليعلن انتهاء مهمة بلاده، تاركاً سوريا للأتراك، لكن الواقع على الأرض فرض على أنقره طلب دعم عسكري كبير من واشنطن ، بما في ذلك الغارات الجوية، والنقل، والخدمات اللوجيستية. وهذا يتعارض مع رغبة ترامب في تجنب مزيد من الإنفاق العسكري، ويطرح سؤالاً عن مغزى سحب قواته، إن كان سيقوم بكل هذه الخدمات للمشروع التركي، خصوصاً إن علمنا أن واشنطن تتبنى عملية لتقسيم ساحات العمليات، تمنع  الأتراك من الدخول في مواجهات مع الكرد.
وذلك بالطبع يتناقض مع الطموح التركي الحقيقي والمحرك لتلك العمليات وهو تحجيم الكرد إلى حدود الصفر أو ما هو دون ذلك.
على الرغم من تشكيك موسكو وأنقرة في جدية تنفيذ قرار ترامب الانسحاب من سوريا، فإن الجيش الأميركي بدأ عمليا بسحب معدّات من سوريا، مع التأكيد سياسياً أن هذا الانسحاب يجب أن يضمن القدرة على الدفاع عن 
الحلفاء. ويأتي ذلك في حين أن الوضع على خط الفرات يترك الباب موارباً أمام سيناريو التقسيم. بشكل مرتبط بالسياسية التي ستتبعها واشنطن بخصوص حماية تلك المنطقة. ما يعيد إلى الذاكرة الحظر الجوي فوق شمال العراق الذي كان بداية تشكل هيكل مستقل للكرد في العراق. ويظن البعض أن واشنطن تعمل على تكرار نفس السيناريو، دون التفات للرفض التركي ومواقف روسيا وإيران وبالضرورة سوريا. والأهم موقف الكرد حيث التأكيد أنهم سيكونون مع وحدة الأراضي السورية، تماشياً مع واقعهم المحلي على أرض الواقع وبعد، فإن سوريا ورغم انتصارات نظامها، وهزائم معارضيه وتشرذمهم وبيعهم الولاء لأكثر من جهة إقليمية ودولية، وتزاحم الكثير من القوى على أرضها ما زالت بعيدة عن الاستقرار المنشود.