تحالف التطرّف والتخلّف

آراء 2019/01/14
...

أحمد عبد الخضر الجاسم 
حين نتحدث عن التخلف الفكري بصفة عامة نجده يتداخل ويؤثر في جميع الجوانب الأخرى والمتأمل لحال امتنا اليوم يجد اصدق حكمة في تصور واقع هذه الأمة على لسان نبيها صلى الله عليه وسلم في قوله الشريف " يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها " فلا خيار لامتنا غير خيار العلم والتقدم ومواكبة الحضارة وأي طريق آخر سيستمر في جذبنا إلى التخلف والجمود وينتهي بأمتنا إلى الهاوية ولا يتسلط هذا الداء إلا ساقها إلى الفناء، فنحن في مفترق الطرق، أما التقدم للإمام حيث التنمية والازدهار وأما النكوص للخلف حيث لا يوجد سوى الفشل والانحدار ولا بد من مقاومة التخلف والسعي وراء التقدم ذلك أن الأمر راجع في النهاية إلى سلوكيات البشر التي تحدد موقع المجتمع من خريطة التقدم والتخلف، في تاريخ الشعوب أمثلة وتجارب ناجحة وفاشلة لها دلالاتها، حيث يتم تخطي ظاهرة التخلف ضمن برامج ورؤى فكرية ممنهجة، فقد أثبتت الوقائع التاريخية أن الغرب تمكن تخطي التخلف وأقام الدولة الحديثة الصناعية وركز كل إمكاناته للتنمية البشرية والاقتصادية والثقافية ورفع قواعد العلم في الجامعات ومراكز البحث والتطوير بينما يعيش مجتمعنا العربي منعطفا كبيرا في تاريخ البشرية حيث يواجه ثقافة وسلوكا  متناقضا مع محيطه ومعوقات فرضتها عليه القواعد والأعراف مما حدا بالفكر الخرافي إلى أن ينمو وينتعش من جديد في أوصال المجتمع ودب اليأس في النفوس وتعمقت الهوة لتصل إلى شريحة معينة من الشباب الذين أصبحوا متأثرين بسحر الكلمة والخطاب المخدر من دعاة الدين وهو ما يطلق عليه في علم الاجتماع ( حضارة اللفظ دون العمل ) غايتهم في ذلك عزل الفرد وتقوقعه على نفسه وابتعاده عن جادة الصواب وبالرغم من تعاليم الإسلام الواضحة التي تدعو إلى التطور والحداثة فان هناك اتجاهات تفسر الإسلام على هواها وتريد أن تشده ناحية اليمين أو ناحية اليسار بتفسيرات خاطئة تجعل منه أما دينا جامدا متقوقعا لا يقوى على مسايرة الزمن ولا يراعي متغيرات الحياة ويفسرونه حسب، فهمهم السقيم ويضيقون رحمة الله الواسعة على سائر خلقه  وأما دينا دموياً عدوانياً متعطشاً لسفك الدماء وكلا الاتجاهين لا مكان له في الحقيقة في ديننا الحنيف ولا يعبر إلا عن الرؤى المريضة لمن يتحدثون بها، فالأمة لم تشهد الركود والجمود والتخلف إلا بعد أثقل كاهلها هذا التمرد البغيض المتمثل في جماعات التطرف الديني التي حرصت على القضاء على كل فكر تقدمي او مواكبة حضارية للمجتمع بدوافع دينية على حسب تعبيرهم وزجت ببعض شباب الأمة في آتون التعصب والتشدد حتى أصبحوا ألعوبة في أيدي تلك الجماعات يأتمرون بأوامرها وينفذون مخططاتها الدنيئة لتصل بهم في النهاية إلى كراهية الوطن والتنصل منه والرغبة بالانتقام ويكون الوطن في نظرهم مجرد ارض تسكن وحياة تقضى فيه وكل ذلك راجع إلى فقدان التربية السليمة والتعليم القويم واستحضر هنا مقولة ابن رشد المشهور" التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل وإذا أردت أن تتحكم في جاهل فغلف له كل باطل بغلاف ديني". 
ومن ابرز مظاهر التخلف الفكري في المجتمع العربي والإسلامي سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي والتعصب والتحيز وسرعة إطلاق الأحكام المسبقة وسيطرة التفكير الخرافي والسحري على الناس . فالتخلف الثقافي هو القاعدة العريضة التي تحتضن كل معيقات النمو وكوابح التطوير وتمنع الارتقاء الاجتماعي . لذلك فان المجتمع لا يمكنه النهوض والتطور والتقدم إذا استمر في الخضوع لتأثير ومفاعيل التخلف الثقافي وبالرغم من قتامة المشهد وإيمانا منا بضرورة تخطي هذه المرحلة الصعبة لاستعادة الإرادة المسلوبة بحيث يصبح الإيمان بالعمل والعدل حقيقة قائمة في النفوس التي عاشت عصورا مديدة من السلبية مؤمنة بتخطي  شبح شيخوخة الفكر والسلوك بالتحرك الجاد لإنهاء جذور التخلف ومحاولة تصحيح المسار لكل الإشكال الثقافية والفكرية كان لابد من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة وتشخيص الداء لمعرفة الأسباب التي  أدت بمجتمعنا إلى الانحراف الفكري وذلك بتحصين الشباب من الأفكار المتطرفة بالحوار الرشيد والإقناع بالحجة والبرهان كما نحمل وسائل الإعلام مسؤولية توجيه برامج ذات قيمة فكرية لرفع مستوى الأجيال القادمة تخاطب العقول وتنير الشباب نحو غد أفضل حتى نقطع شريان التطرف من التغلغل في أوصال المجتمع ويبقى إمكان البناء قائما بمقدور الفرد أن يقفز من الوهم إلى الحقيقة ببناء سدود من المعرفة لمواجهة طوفان الجهل والتخلف.