نظرة على كتاب {الدولة النبوية} لأبي حمزة المهاجر

آراء 2019/01/14
...

عصام عباس أمين
ينطلق ابو حمزة المهاجر في التنظير لدولة الاسلام في بلاد الرافدين (سنة 2008) من فرضية اساسية ترى (أن أمم الكفر لن ترضى ولن تقبل بإقامة حكم الله في الارض، واعادة الخلافة الاسلامية). وهذه الفرضية تتضمن الاستحالة أكثر من التفاؤل أو أي شيء يبث ولو قليلا من الامل، بسبب أن الهوة اليوم بين أمم الكفر كما يحلو له تسميتها وبين أمم الاسلام اصبحت كبيرة ومخيفة على جميع الاصعدة سواء كانت اقتصادية، ثقافية، علمية، تكنولوجية، عسكرية.... وغيرها. فكيف يمكن تسويق فكرة دولة اسلامية تحكم بالشريعة وتطبق الحدود في ظل هكذا فرضية قاتلة؟!.
فالمهاجر يرفض فكرة الدولة الاسلامية الطاغوتية التي رسمتها سايكس بيكو، مثلما يرفض فكرة دولة الرشيد المترامية الاطراف. فهو ينطلق في مقاربته كأي سلفي من الدولة النبوية في المدينة، ويسوق من أجل ذلك جملة من الاستنتاجات المتعسفة نتيجة للمقارنة القاسية بين دولته ودولة النبي في المدينة، متجاوزا متغيرات العصر على مدى 1400 سنة. 
وهو يتبع في ذلك نهجا معروفا في التفكير ومعروفا ايضا بنتائجه الخطيرة، فلا يختلف احد بأن دولة الاسلام في بلاد الرافدين ودولة الاسلام في العراق والشام (داعش) لم تجلب في النهاية للناس سوى الظلام، ولقادة داعش ومقاتليه سوى الموت والدمار والاختباء في الصحارى والجحور، وهذا يكشف وجود عطب فكري واضح، فكل منهج لا يقود الى حياة افضل، هو منهج فاشل، ويستحق الانكار والرفض 
والادانة.
ولكي يحقق غايته واعادة تسويق مفهوم الدولة الاسلامية على منهاج النبوة، يطرح ابو حمزة المهاجر جملة من الاسئلة لتحقيق غاية واحدة، هي الحصول على اجابات محددة، ترسخ الاوهام لدى الدواعش واتباعهم، وتخفف عنهم الصدمات والصعوبات التي تزداد في كل لحظة، بفعل استحالة تحقيق حلمهم، طالما استمروا في محاولتهم السير عكس التاريخ، واعادة الزمن القهقري.
السؤال الاول المتعلق بالدولة النبوية. هل كانت ملاذا آمنا، أم عهدا جديدا من التضحية بالنفس والمال؟
السؤال الثاني. هل كانت الدولة النبوية قوية راسخة، أم أن القلوب بلغت الحناجر وظن الناس بربهم الظنون؟
السؤال الثالث. هل صحت مزارع القوم ونشطت تجارتهم وزاد عدد رجالهم، أم حصد القتل في سبيل الله شبابهم وشيوخهم وتعطلت تجارتهم وبارت مزارعهم؟
السؤال الرابع. هل كانت تلك الدار عذبة الماء طيبة الهواء أم انها أرض كثيرة الوباء آجلة الماء؟
السؤال الخامس. هل كانت الجيوش النبوية وافرة العدد والعدة، أم كما وصفها الله (ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة) في قلة العدد ورثاثة العدة وضيق المعاش؟
منذ البداية يسهب ابو حمزة المهاجر بالحديث عن صعوبات الحياة في المدينة ليصل الى نتيجة مؤداها، ان من يصبر على ذلك، يكون النبي شفيعه يوم القيامة، اذا كان مسلما!!!. فقد كانت المدينة شديدة الوباء آجلة الماء. والصحابة كانوا يعيشون حياة خوف ووجل وترقب وحذر دائم وايام محن، وكانوا يخرون صرعى من الم الجوع وقسوته، فالدولة كانت تعيش حالة فقر قاتل، وحسبك أن تعلم ان النبي توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير أخذه طعاما لأهله، أما لتبيان الحالة العسكرية ووضع جيش النبي فهو يذكر غزوة الذي كلف بها أبو عبيدة الجراح بجند تعداده ثلاثمئة، ولنفاد الزاد في الصحراء، كان نصيب كل مقاتل تمرة يمصها كما يمص الصبي ثم يشرب عليها الماء!!!!!. بهذه الطريقة يصل المهاجر الى نتيجة مخادعة تماما وخطيرة (بان ملمات الدولة النبوية الاولى تعيد نفسها في الدولة الاسلامية الحديثة). فكيف يمكن وصف هذا النوع من الخطاب والسرد، خاصة عندما يأتي من شخص هو بدرجة وزير حرب في هذه الدولة؟!. الذي يرى الصعوبات بعينه وبيقين شبه تام باستحالة تحقيق اهدافهم، انه الجمود العقلي، والاغتراب الفكري عن هذا العالم، وهذا مصير طبيعي لكل من يبحث عن حلول جاهزة لمشاكل عصرية معقدة من بطون التاريخ، لان الزمن ببساطة شديدة، سيال، وكل شيء في تغيير مستمر الا السلفية الجهادية.