في سيكولوجيا الاختلاف

آراء 2019/01/14
...

د. سعد العبيدي 
يكاد يجزم المتابع أن الساسة في العراق ومعهم البقالون والمسؤولون والمعلمون والعرافون وأبناء السبيل، نساء ورجال، جميعهم في رؤياهم ومواقفهم يختلفون، على أي موضوع وشيء ولكل مسألة وبعض من الشيء يختلفون، حتى انسحبت طبيعة الاختلاف على وقع السياسة في البلاد، وعلى عيش أبناء العباد، والمشكلة في هذا الموضوع الهام اجتماعي وسياسي، لا تتعلق بمعنى الاختلاف فالبشر جميعهم، 
وفي كل بقاع العالم يختلفون، الأخ مع أخيه التوأم يختلف، وكذلك الابن مع أبيه يختلف، والحزبي العقائدي مع حزبه السياسي يختلف، والزوج أيضا مع زوجته 
يختلف.
إن المشكلة كما أسلفنا ليست في أن نختلف ونحن في الطبيعة نختلف، بل في السلوك الناتج عن الاختلاف، في التعامل مع ناتج الاختلاف، إذ نرى أن الناس في المجتمعات المتحضرة أفراداً وجماعات عندما يختلفون في مسائل كبيرة، يجنحون الى تقديم الحجج ويستمر النقاش الى أن يقنع أحدهم الآخر، وأحيانا وهم مختلفون، يخرجون من جلسات الاختلاف، يضحكون، يتناولون طعاما أو شراباً، ويتفرقون بود أو يعودون لحلبة النقاش، يقطعون الضحك عند بواباتها ويتحولون الى أشخاص جادين يدافعون عن رؤاهم 
المختلفة. 
أما الملاحظ في مجتمعنا العربي بشكل عام والعراقي على وجه الخصوص، فان الاختلاف تصاحبه عدوانية على المختلف معه أو بالأحرى تبادل مشاعر العدوان بين الطرفين المختلفين، تتأسس على فهم خاطئ للأنا ورغبة في داخلها لإخضاع المقابل الى رؤياها الخاصة، وان لم تخضع وهي في كثير من الأحيان لا تخضع لأنها تتصرف برغبات الاخضاع 
ذاتها. 
ان العدوانية سلوك يسحب صاحبه الى الهجوم على المقابل في بعض الأحيان، وإذا ما تطور الأمر وزاد في النفس كم العدوان يمكن أن يتحول الاختلاف الى رغبة في تحقيق الايذاء للطرف المقابل يرقى أحيانا الى مستوى القتل، وهذا النوع من السلوك من بين عوامل تدخل المجتمع في دوامات من الاختلاف تحول دون استقراره، خاصة إذا امتلك بعض أطرافه أسلحة وسلطة إخافة، قادرين على استخدامها في الوقت الذي يشاؤون لتحقيق فعل الاخافة وإخضاع المجتمع الى النفوذ خارج دائرة الصالح 
العام. 
هذا واقع يفسر في بعض جوانبه مشهد التوتر وعدم الاستقرار الذي شهده العراق منذ العام 2003 وحتى الآن، حيث التطور التفاعلي للاختلاف بين المذاهب والقوميات والأديان، الذي أخر من حصول الاستقرار لخمسة عشر عاماً قد تطول، ويفسر أيضا وقع الاختلاف الحاصل الآن بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد وأحياناً أصحاب الشأن الواحد كما حصل في بغداد قبل أيام بين فضائيتين تنتميان الى كتلتين مؤتلفتين من مذهب واحد، خلاف تصاعد بشكل سريع، حتى حبس الشارع البغدادي أنفاسه، معتقداً وهو على حق أن أصابع منتسبي الطرفين قد وُضعتْ على زناد أسلحة بقي الطرفان محتفظين بها ليوم فض الاختلاف. كوارث تجنبها يكمن فقط في سحب
السلاح.