مازال مفهوم التحكيم التنموي غير واضح بالنسبة للكثير من الشرائح، ومنها شرائح ذات علاقة بتحقيق التنمية، وذلك نتيجة حداثة العمل بالتحكيم المقنن، وعدم وجود جهات بعينها تتولى عملية التعريف والترويج لهذا المفهوم، والاليات التي ينبغي اتباعها لتحقيق حالة الشيوع المطلوبة، وصولا إلى انتشار ثقافة اللجوء إلى التحكيم في حل الكثير من الاشكالات التي تكتنف مفاصل التنمية، لاسيما في الجانب الاستثماري؛ ذلك ان المستثمر الأجنبي يتوجس دائما من محاكم الدولة التي يستثمر فيها ويفضل اللجوء إلى طرق أخرى لحل النزاعات.
ومن هنا فأن التحكيم يمثل فعالية مهمة في عملية تشجيع المستثمرين الاجانب في ظروف معقدة مثل ظروف العراق يكتنفها الكثير من المشاكل والتحديات التي تجعل المستثمر قلقا من الاقدام.
وفي الدول التي سبقتنا في التجربة، فقد نجح التحكيم فيها بوصفه وسيلة بديلة لحل النزاعات كونه عاملا مساعدا وداعما للقضاء، فالأطراف المتنازعة لن تلجأ إلى التحكيم لحل نزاعاتهم دونما وجود الضمانة القانونية التي تكفل تنفيذ قرار المحكم.
ولعل المشكلة في العراق تكمن في عدم سن قانون للتحكيم حتى الان، دونا عن سائر البلدان العربية التي باتت لديها قوانين للتحكيم تبت في الكثير من القضايا.
ان وجود قانون للتحكيم من شأنه ان يسهم في حسم الكثير من القضايا الخلافية بين اطراف النزاع مما يخفف من الضغط على القضاء، فضلا عن ان الحسم من خلال التحكيم لا يستغرق وقتا طويلا كالذي يستغرقه القضاء.
قطعا ان التحكيم، لا يقتصر على قضايا بعينها دون غيرها، اذ بامكان اي طرفين متنازعين اللجوء إلى المحكم من ذوي الخبرة والكفاءة، في ظل وجود قانون للتحكيم، وهنا اعتقد ان الامور ستمضي بنحو سلس، وان الكثير من القضايا المختلف عليها ستحسم .
ولنفترض جدلا ، - ومع ما ألاحظه من وجود مساع حثيثة تبذلها جهات عدة بعضها حكومية وأخرى مدنية مهتمة بأمر التحكيم التنموي -، ان العراق شرّع قانونا للتحكيم ، فما لذي ينبغي عمله ؟.
في ظل عدم وجود ثقافة كافية لدى الكثير من الجهات المعنية عن التحكيم، خصوصا ان لدينا اليوم عددا من الخطط الاقتصادية، تتضمن باقة من المشاريع التنموية المختلفة، ولا شك ان عملية تنفيذ هذه المشاريع - وحسب التجربة السابقة - ستكتنفها جملة من المشاكل، التي من شأنها ان تعيق او تؤخر عملية التنفيذ، ومنها التنازع بين طرفي التعاقد المنفذ والمستفيد، لأي سبب كان، ومن هنا تأتي اهمية وجود قانون للتحكيم ومحكمين لحسم مثل هذه الخلافات ..وعلى هذا الاساس، ينبغي، العمل على مسارين
اثنين :
الاول : العمل على اعتماد التحكيم في حل الكثير من الاشكالات بغية تشجيع الاستثمار وحماية المال العام وضمان تنفيذ المشاريع وبالتالي توفير افضل الخدمات للمواطنين؛ الثاني : القيام بحملات ترويج وتثقيف اعلامي، للتعريف بمفهوم التحكيم، بوصفه اداة مهمة في حل النزاعات التي تنشأ بين المتعاقدين، ومدى اهميته في تحقيق التنمية وتشجيع الاستثمار بجميع اشكاله.
ويمكن القيام بتنفيذ مثل هذه الحملات الاعلامية عبر الخطوات الاتية :
• القيام بنشر اخبار وتقارير تتناول موضوع التحكيم عبر وسائل الاعلام المختلفة وبنحو مستمر، بهدف رسم صورة ذهنية لدى المتلقي بأهمية التحكيم ودوره التنموي الفعال . فضلا عن القيام بإعداد لقاءات تلفزيونية مع المعنيين بشؤون التحكيم، تتناول الرؤية والهدف من اللجوء إلى هذا المبدأ، ويتم بثها عبر القنوات الفضائية المختلفة وهذا من شأنه ان يرسخ مفهوم التحكيم لدى المتلقي وتخصيص صفحة دائمة ضمن جريدة (الصباح) والصحف الاخرى لنشر ثقافة التحكيم.
• اعداد فيلم تعريفي قصير برؤية اخراجية عالية، يتناول مفهوم التحكيم، ويتم بث هذا الفيلم عبر الوسائل المتاحة وبحسب ما تسمح به الامكانات المالية ، فضلا عن تداوله عبر قنوات (اليوتيوب) وخلال الندوات والمؤتمرات المتعلقة بالتحكيم.
• اقامة ندوات تعريفية وورش عمل للمعنيين، للحديث والتعريف بمفهوم
التحكيم
• تدريب عدد من الاعلاميين في قضايا التحكيم، ليكونوا قادرين على التعاطي مع المفهوم، ويصبح بإمكانهم قيادة حملات الترويج لمفهوم التحكيم.
• الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني المهتمة بمفهوم التحكيم لتكون شريكة في تنفيذ الحملات الاعلامية، بعد ان اثبتت الكثير منها القدرة على تحقيق مثل هذه لشراكة المهمة.
• الافادة من مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة في عملية الترويج لمفهوم التحكيم .