رائحة الشعوب

آراء 2019/01/14
...

 د عماد علو
 
من أنعم الله عز وجل التي أنعمها عليّ ،  أن أتاح لي الفرص لزيارة عدد من بلدان العالم ، تعرفت بها على بعض عادات تلك الشعوب وبعض ثقافاتهم وأنماط حياتهم وعلاقاتهم فيما بينهم ، كما تعرفت إلى بعض ما يحبون وبعض مما يكرهون ، من الطعام والشراب والملبس والكلام وما إلى ذلك مما يزرعون أو ينتجون في بلدانهم ..! 
فلم أجد تشابها" كبيرا" بين تلك الشعوب فيما ذكرت من معايير، فلكل شعب خصائصه ومميزاته التي يختص بها ويتميز بها عن غيره من الشعوب والأمم ، وهذه المميزات والخصائص دائما" ما تكون موضع فخر واعتزاز من لدن تلك الشعوب والأمم، فلكل شعب طريقته في الزراعة وفي تحضير الطعام وفي الشرب وأنواعه وفي طريقة الملبس !. 
وقد كان من غريب ما لاحظته وأحسست به ان لكل شعب وأمة زرتها وعشت لفترة بين أبنائها رائحة خاصة بهم 
تميزهم ! وتكاد تكون كهوية تعريف لهم ، تشعر بها وتشمها في دورهم وفي حافلات النقل أو المترو وفي الأسواق 
والمتاجر! 
والمعروف ان رائحة الإنسان كل إنسان تعتمد بالإضافة إلى موروثاته الجينية ،على طبيعة عادات الطعام والشراب المتبعة في ذلك المجتمع أو بين أبناء ذلك الشعب أو تلك 
الأمة ! 
وكنت عندما أعود إلى بلدي العراق ارتاح لرائحة هوائه ومحلاته وشوارعه ورائحة الأطعمة والمأكولات التي تنبعث من دور العراقيين ومطاعمهم ، ورائحة القداح والأزهار التي تنبعث من حدائقهم ومتنزهاتهم.. 
إلا أنني ومنذ عدة سنوات لم أعد أتحسس هذه الرائحة اللذيذة فقد اختفت الطماطة 
العراقية ولم يعد أحد يستخدم التنور الطيني ليخبز به الحنطة العراقية التي أصبح من النادر العثور عليها ، كما أن الباذنجان والقرع والخيار وغيرها من الخضراوات العراقية خرجت من السوق بعد أن طردتها الخضراوات والفواكه المستوردة من وراء الحدود ! 
فاختلفت رائحة الطعام ، ولم تعد تلك الرائحة العراقية الأصيلة ! كما اختلفت العادات وتغيرت التقاليد وصار الجار يخاف من جاره والقريب يتحسس من قريبه !
وتفشى الشعور الطائفي فهجر من هجر ورحل من رحل وتلونت المحلات والمناطق والأزقة بألوان غير تلك التي كانت عليها ! وكاد التمزق الذي لحق بالنسيج الاجتماعي ان يبلغ 
مداه ! 
وجاء إلينا متعددو الجنسيات بروائحهم الكريهة التي تزكم الأنوف وجلبوا معهم الإرهاب والطائفية والمناطقية و.. و.. الخ ! فاختلفت الروائح حتى ألغى بعضها بعضا" وأصبحت رائحة شعبنا غير تلك التي كان عليها !
فدعونا نستعيد رائحتنا دعونا نبني بلدنا دعونا نزرع أرضنا ونصنع ملابسنا بأنفسنا فلا رائحة لأمة تأكل مالا تزرع وتلبس ما لا تصنع ..