الكاذب النبيل !

آراء 2019/01/14
...

نجاح العلي
 
في اعتذار امتد عبر 23 صفحة، نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية التي توزع أكثر من 840 ألف نسخة اسبوعيا، تقريرًا بشأن قيام (كلاس ريلوتيوس) أحد أبرز صحفييها، والحائز على عدة جوائز من بينها افضل صحفي الماني لعام 2018، بنشر قصص إنسانية نشرت على مدار سنوات بعدما أقر هذا الصحفي الشاب (33 عاما) بأنه اختلق تفاصيل وشخصيات في 14 من أصل نحو 60 قصة صحفية كتبها للمجلة عبر نسختيها الإلكترونية والورقية الأسبوعية.
جميع القصص التي نشرها الصحفي الالماني الذي اطلق عليهم البعض تسمية (الكاذب النبيل) ذات طابع انساني ولم تتسبب بأذى اي احد او تبتز جهة ما، لكنها قصص ملفقة وكاذبة رغم ان غايتها إنسانية مثل القصص الخاصة بسوريا والمهاجرين في المكسيك، لكنها قصص خيالية غير واقعية ولاتتمتع بالمصداقية، وهي لاتشكل شيئا معتبرا لو تمت مقارنتها مع ما يكتبه البعض في الوسط الإعلامي العراقي من تسقيط وابتزاز سياسي واتهام وتشويه لسمعة الآخرين وفبركة أخبار وصور وتحقيقات ومقابلات تسيء الى الآخرين في سمعتهم الشخصية خاصة في الطبقة السياسية، بل ان بعض التصريحات السياسية وإعادة الصحفي تضخيمها وتكرارها في وسائل الإعلام اسهمت بشكل كبير بزيادة الاحتقان الديني والمذهبي والقومي وتأجيج الصراعات التي قد تصل الى التهجير القسري او التصفية الجسدية او الترويج لتنظيمات إرهابية او الإساءة الى بعض المكونات والأقليات واحتقار طقوسم وشعائرهم، وهذا الفساد الإعلامي المسكوت عنه لابد من فضح القائمين به من اشباه الصحفيين الذين يربتون على أكتاف المسؤولين والزعماء من اجل حفنة من اموال او مناصب فانية، تدفعهم الى تغيير جلودهم باستمرار من اجل إرضاء ولي نعمتهم الذي يتغير مع تغير الظروف السياسية. لكن هذا لايعني ان هناك صحفيين عراقيين ملتزمين بصدق الكلمة ويحترمون أقلامهم وتاريخهم ولم يتلوث حبرهم بالإغراءات رغم ان بعضهم يعاني من شظف العيش بعد إغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية لأسباب مالية او تقليص كادرها وتسريح العديد من الصحفيين من العمل دون تعويضات عادلة ودون وجود ضمانات تحفظ لهم حياة حرة كريمة لينضموا الى قائمة طويلة من العاطلين عن العمل. 
المفارقة في فضيحة الصحفي الالماني ان من اكتشفه هو زميل صحفي كان يشك منذ سنوات بما ينشره الصحفي المزيف منذ عام 2011 وحتى عام 2018 لكنه ظل مترددًا بسبب المكانة الرفيعة التي يتمتع بها الأخير والجوائز التي يحملها، لكنه استطاع ان يطيح به بعد ان نشر قصته الصحفية "حدود الصياد" التي اثارت شكوك الصحفي خوان مورينو، الذي شارك ريلوتيوس في إعدادها، القصة تدور حول مجاميع مسلحة أميركية تقوم بدوريات على الحدود مع المكسيك، وقد نقل مورينو شكوكه لإدارة دير شبيغل، لكن أحدًا لم يصدقه، فسافر إلى الولايات المتحدة للتحري عن تفاصيل القصة، وتعقب مصدرين مزعومين استشهد بهما ريلوتيوس بكثرة في قصته، ليقول الاثنان إنهما لم يلتقياه مطلقًا، ووسع اتصالاته بالعديد من مصادر القصص السابقة، ليخبروه ان اقتباساتهم نقلت بشكل خاطئ أو مفبركة تمامًا.
امل واتمنى ان تتم تصفية وسطنا الصحفي من الطارئين عليه وهذا لن يتم الا بجهود الصحفيين والإعلاميين انفسهم وان يتصدوا باقلامهم وخبرتهم في ساحات العمل الميداني لان العملة الصحيحة تزيح العملة المزيفة ولايصح الا الصحيح.. ونحن
بالانتظار.