باسم عبد الحميد حمودي
أسَّسَ مصطلح الفولوكلور العالم الانثروبولوجي البريطاني وليم توم جونز في رسالة بعثها الى الجمعيَّة الانكليزيَّة للعاديات والى مجلة "ذي اتينيوم" في آب/ أغسطس 1846, ويقول المعنيون بهذا العلم إنَّ تومز وسواه من علماء الانثروبولوجيا وعلم الاثنولوجي قد أخذوا المصطلح عن الألمان حيث ترجموا المصطلح الألماني (فولكسكندة) الذي كان موضوعاً منذ العام 1806 على يد برنتانو وفون آرنيم عندما نشرا مجموعتيهما من الأغاني الشعبيَّة تحت عنوان (البوق المعجز للصبي).
ويقوم علم الفولوكلور (وقد ترجم عراقياً: التراث الشعبي) بدراسة الجوانب المادية والروحيَّة لدى الشعوب, ومن مناهجه: (المنهج التاريخي المرتبط بالدراسات الأدبية واللغوية, المنهج الجغرافي الذي يعتمدعلى نتاجات وحركات الجماعة المحلية, المنهج الاجتماعي (السوسيولوجي) الذي يقوم بتفكيك الجماعات ويعيد تركيب أطروحاتها الماديَّة والمعنويَّة, المنهج النفسي المبتدع من يونك وفرويد وتطبيقات تلامذتهما).
إنَّ هذه المقدمة المختصرة تخل بتفصيلات قدمها الأستاذ الدكتور محمد الجوهري الذي أصدر ستة أجزاء من (موسوعة التراث الشعبي العربي) هي: (المناهج – العادات والتقاليد –الفنون – الأدب الشعبي – المعتقدات – الثقافة المادية), وهذه تشكل خلاصة الـ 54 باباً من أبواب الثقافة الشعبيَّة - التراث الشعبي.
على ذلك فإنَّ الخوض في تفاصيل علم الفولوكلور يستلزم حيطة وقدرة علميَّة على التمييز ما بين أركان الفولوكلور ومفرداته المتصلة ببعضها بشكلٍ يوضح استيعاب الحياة الشعبيَّة لتفاصيل حركة المجتمع وتعقيداتها.
وإذا كان مفهوم (الثقافة الشعبية) يمتزج بشكل أولي بمفهوم (الفولوكلور) فإنَّ الثقافة الشعبية هي الحضور المعرفي والقيمة الدراسيَّة لتفاصيل الفولوكلور.
واقع الأمر أنَّ الفولوكلور هو الصورة الواقعيَّة المتواجدة مادياً أو روحياً وتقوم مناهج الثقافة الشعبية بدراستها وتحليلها وتفكيك دواخلها.
إنَّ الحكاية الشعبية تروى مشافهة ويقوم الفولوكلوري بجمعها وإعدادها للنشر، بينما يقوم المختص بالثقافة الشعبية بدراستها على وفق منهجه البحثي. إنَّ الثقافة الشعبية هي كل الأشكال التعبيريَّة المنطوقة المدونة التي تختزنها الذاكرة الشعبية أو تمظهراتها على شكل أقوال وأفعال وأعمال شعبيَّة.
ينقل بو عزيز سمحون في دراسته عن الثقافة الشعبية وإشكالية التعريف عن البروفيسور (أيكه) في كتابه (قاموس مصطلحات الاثنولوجيا والفولوكلور) أنَّ الثقافة الشعبية هي تميز (هوية) الشعب والمجتمع وتتصف بامتثالها للتراث والأشكال التنظيميَّة الأساسيَّة.
ويذهب الاثنولوجيون في أوروبا الى أنَّ التراث الشعبي هو تمثلات ثقافة ذات طابع قديم, والثقافة الشعبية ليست هي الثقافة التي خلقها الشعب فقط، إنما هي التي قبلها وتبناها وحملها.
ويعتقد البعض من العلماء (أركسن مثالاً) أنَّ الثقافة الشعبية تتجلى وترتكز على قاعدة المشافهة وتضم أدب السير والملاحم والخرافة والحكايات والأشعار والأغاني والأقوال السائرة, وهم بذلك يعزلون دراسة الثقافة المادية عنها ويجعلونها أسيرة دراسات أخرى.
لا يتفق علماء البحث في الثقافة الشعبية الآخرون مع هؤلاء ويرون أن دراسة التراث الشعبي (الفولوكلور) بكل تفرعاته المادية والروحية المعروفة, هي الأقرب الى الشموليَّة العلميَّة في هذه المادة البحثيَّة بكل تفرعات الفولوكلور الموزعة بين 54 مادة كما هو معروف, وهو أمرٌ استوعبته بحوث الفولوكلور الأولى قبل ظهور مصطلح الثقافة الشعبيَّة.
خلاصة هذا الطرح أنَّ (التراث الشعبي) هو كائنٌ من مظاهر الفولوكلور, هو الحي المجسد منه, أما (الثقافة الشعبيَّة) فهي من وجهة ما: الدراسات الناجمة عن (وجود) التراث الشعبي؛ أي الفولوكلور, والنظريات الخاصة بهذا الفرع من العلوم الإنسانيَّة.
إنَّ الفولوكلور هو الكلمة اللامة لكل هذه الطروحات التي تدرسها بنية الدرس الشعبي.