علي عبد الخالق
في أواسط نيسان 2018 وأثناء مؤتمر صحفي اعتيادي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، اشتكى مراسل قناة العهد أحمد الحربي من اعتداء حماية العبادي على كادر القناة للمرة الخامسة، في اشارة مكررة الى اعتداءات طالت صحفيين يمثلون قنوات ذات خطاب لا يروق تماماً للحلفاء قبل الخصوم، ردَّ العبادي ضاحكاً "اذا العهد تتعرّض الى اعتداء هذا شيء جديد، العراق بخير إذن"، بالطبع استدرك المسؤول التنفيذي الاول في الدولة بإدانة اي اعتداء وترهيب يمارس على الصحفيين لكنه - بغض النظر عمّا أراد ايصاله من رسائل الى الحزب/ الحركة المسلحة التي تدعم العهد- قد سلّط الضوء بعبارته الهزلية الأولى من دون قصد، على العقلية الانتقائية للسياسي في التعامل مع الاعلام بميوله المختلفة.
بالابتعاد عما تمّ عرضه على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تلقى الجمهور الفرصة التي أتيحت للعبادي لمهاجمة احد خصومه من خلال تعليق ساخر، فإن الاستنتاج الأولي يعزز الإحالة التي قام بها تجاه المندوب الصحفي لقناة العهد في دولة تحتل مراتب متأخرة في سُلّم الحريات الصحفية ومحدودية التداول العلني للمعلومة، لقد ركّز رئيس الحكومة هوية الحركة في شخص المراسل سالباً إيّاه موقعه وموقفه كناقل مستقل وحيادي للمعلومة عازلاً عنه هويته وما تمثله مهنته.
يمكننا، بحسب التقدميين المنظرين لسبل إصلاح النظام، تتبع المسار التاريخي لتطور مهنة الصحافة بوصفها معارضة في بنيتها، والصحافة في أقدم وأقدس المعتقدات عند الصحفيين انها النابش الأكبر عن أخطاء وفضائح في اداء الحكومات وكشف المنتفعين والباحثين عن استغلال السلطة لمصالح خاصة، وهي الموفر الاول للمعلومة امام الجمهور غير القادر بحكم الوقت والجهد، على التقاط كل الواقع القائم لتصبح بذلك أداة الرقابة رقم 1 لدى الشعب.
وسواء اتسمت العلاقة بين الصحفي والسياسي بالارتياح والتعاون او الريبة والمعارضة كما يفترض عليه الحال ان يكون، فإنّ المناخ العراقي الحالي وفّر لكثير من منتجي الأخبار وكبار مدراء وسائل الاعلام مساحة غير مسبوقة وخطرة للتقرب من صنّاع القرار السياسي واللاعبين المهمين في المشهد، وهو ما أدى لاحقاً الى ظهور فئة "تابعة ومدجَنة" من الصحفيين تعمل على خط شركات لعلاقات العامة كما هو الحال في الولايات المتحدة، لتلوين واجهات سياسية لكي تصبح مقبولة اكثر للناخب خصوصاً أثناء فترة الحملات الانتخابية.
ان اغلب التسويق السياسي الذي تمارسه وسيلة الاعلام المملوكة لحزب نافذ في السلطة بات اكثر وضوحاً على صبغة الخطاب الصحفي بشكل عام، وانعكس على طبيعة العلاقة بين صناع القرار ومنتجي الاخبار ومراسلي القنوات الاخبارية على انها علاقة صاحب العمل بوسيلة انتاج، يحدث هذا نتيجة اقتحام رأس المال السياسي/غير الربحي قطاع ينمو ويتضاءل بفعل ريع الاحزاب المتهرّبة من نطاق التحاسب الضريبي الحكومي، ومن هنا يحكم "الاعلام الحزبي" قبضته على الخطاب العام في صناعة الرأي مؤسساً له "إقطاعيات إعلامية" في وضع ما بعد 2014 بالتحديد، اذ تقدر اليوم بأكثر من 95% من مجموع وسائط نقل المعلومات الى الجمهور.
لا ينبغي لنا ايضاً، في ضوء محدودية تأثير "الستلايت" على الجمهور في العراق، إغفال خوف اللاعبين الاساسيين في السياسة من الظهور على قنوات حزبية تعارض خطابهم، في الامثلة العراقية كان رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي يطالب كل القنوات، عدا قناة حزبه، بقائمة الاسئلة قبل اي حوار متلفز، ينبع احساس الريبة هذا من اعتبارها وسائل اعلام "منحازة" في تكوينها، ومن كونها سلاحا ماضيا في يد الخصم السياسي ستحاول إلحاق الهزيمة به ما ان تتاح لها الفرصة.
ما يدعو "الخصوم" الى تجنب اعلام بعضهم البعض، إتباع الاعلام الحزبي سياسة انتقائية في تغطية الاحداث وتحليلها عبر برامج حوارية وتعليقات على احداث مباشرة مثل تغطية المعارك ضد داعش او الانتخابات التشريعية.