الشرق الأوسط بين خطابين

آراء 2019/01/16
...

عصام عباس أمين
يمكن اعتبار خطاب وزير خارجية اميركا (مايك بومبيو) في الجامعة الاميركية في مصر بتاريخ 10 /1 /2019، خارطة طريق او الأساس الذي سيتمّ من خلاله التعامل مع مشاكل الشرق الأوسط، بوصفها منطقة مضطربة ومصدرا لتهديد الأمن والاستقرار في العالم، ومنطقة تتجنب تتناول الحقيقة في الكثير من الاحيان. (مايك بومبيو) بوضعه الحالي يجمع أكثر من صفة واكثر من خبرة، فهو كان عضوا في الكونغرس الاميركي، ويشغل حاليا منصب وزير الخارجية بعد ان كان مديرا للمخابرات المركزية الاميركية (C I A). لذلك فهو مؤهّل من الناحية العملية للحديث بحقائق تهمّنا بوصفنا جزءا من الشرق الاوسط. واول تلك الحقائق التي يريد تأكيدها ان اميركا قوة للخير في الشرق الاوسط، مستدركا في ذات الوقت حقيقة اخرى ان اميركا تعرضت لانتقادات كثيرة بسبب قيامها بالكثير في الشرق الاوسط، وتعرضت لانتقادات كثيرة ايضا بسبب قيامها بالقليل جدا، وفي كلتا الحالتين فان اميركا ملامة، فهي ملامة ان تدخلت وملامة ان لم تتدخل. ومن أخطائها الكبيرة انها لم تستجيب لنداء شركائها وقت حاجتهم اليها للتدخل في أزمات مهمة. كلمة (بومبيو) جاءت لتنسف كلمة أخرى مهمة للرئيس الاميركي السابق في القاهرة لا من حيث المضمون واختلاف الرؤى فقط، بل من حيث الشكل ايضا، باختيار مكان الكلمة، فقد اختار اوباما جامعة القاهرة لرمزيتها الخاصة ودلالتها، في حين اختار (بومبيو) الجامعة الاميركية في القاهرة، ايضا لدلالتها الخاصة فـ "اميركا أولا".
يعدُّ (بومبيو) سوء تقدير ادارة اوباما للأمور في الشرق الاوسط كان سببا مباشرا لارتكاب جملة من الأخطاء الكبيرة، فقد:
1. اخطأت اميركا عندما التزمت الصمت ازاء الثورة الخضراء في ايران، فتراخي اميركا شجّع النظام الايراني على بسط نفوذه في اليمن والعراق وسوريا وفي لبنان.
2. اخطأت اميركا حينما لم تستخدم القوة ضد بشار الأسد عندما قصف السوريين العاديين بالبراميل المتفجرة وغاز السارين.
3. اخطأت اميركا (بسبب رغبتها بالسلام) حينما عقدت صفقة سيئة مع ايران.الاستنتاج الاولي المهم من دراسة كل تلك الاخطاء (عندما تتراجع اميركا، فغالبا يتبع ذلك الفوضى. عنما تهمل اميركا اصدقائها، يتراكم الاستياء. وعندما تتشارك اميركا مع اعدائها فإنهم يتقدمون).
(بومبيو) وهو يحدد تلك الاخطاء ويعترف بها فهذا لا يلغي امكانية ارتكاب أخطاء أشد فداحة منها، وهذا يتوقف الى حد كبير على طبيعة فهمنا للسياسة الاميركية وتأثيرها في المتغيرات الكثيرة من 
حولنا.
كلمة (بومبيو) يمكن اعتبارها بداية لسياسة اميركية جديدة في المنطقة، اساسها الاعتماد على هيبة اميركا وقوتها وغضبها. فبعد هزيمة تنظيم داعش وتحرير 99 % من الاراضي التي كانت قد احتلتها في سورية والعراق، فإنّ اميركا اليوم تحشد لمواجهة النظام الثوري الايراني، بتصميم أكبر على مواجهة "آيات الله"، وهنا يذكر (بومبيو) دولا محددة (مصر، عمان، الاردن، الكويت، الامارات، البحرين، السعودية،) في جهودها لإحباط ايران من التهرّب من العقوبات الاميركية، دون أن يأتي على ذكر العراق عامدا متعمدا. فاذا كانت اميركا بصدد بناء تحالف لمواجهة ايران فاين سيكون دور العراق؟! مع العرض بأن أساس فكرة التحالف، هو المشاركة مع الاصدقاء وعدم الاعتماد على اميركا لخوض الحرب في كل معركة او دعم كل اقتصاد.
مهما حاول (بومبيو) وادّعى رغبته في الحديث بمهنية كعسكري من ويست بوينت، الا انه لم يكن واضحا تماما ومفهوما في تبيان موقف اميركا من الحرب ضد الارهاب، ففي وقت اعلن فيه (ترامب) انسحاب قواته من سوريا، فان ذلك في نظر (بومبيو) لا يشكل تغيرا في المهمة!!! فأميركا ملتزمة بتفكيك "تنظيم الدولة" والقتال ضد التطرف الاسلامي الراديكالي بكافة أشكاله، الا ان (ترامب) يتطلع لقيام الشركاء بعمل المزيد في هذا المجال، والفرق كبير في طبيعة هذه المقاربة. فأميركا تطلب من شركائها تحمل مسؤوليات جديدة لهزيمة "التطرف الاسلامي" اينما وجد. فهل تعلم أي دولة حدود مسؤوليتها جيدا بهذا الخصوص، فالعبارة واسعة وتحمل مدلولات كثيرة 
ومتشعبة؟!.
الاستنتاج الاخطر الذي سوّقه (بومبيو) في كلمته (ان دول الشرق الاوسط لن تتمتع بالأمن أو تحقيق الاستقرار الاقتصادي أو تحقيق أحلام شعوبها إذا استمر النظام الثوري الايراني في مساره الحالي). لذلك فإنّ التركيز الاميركي سينصبُّ على سوريا من أجل اخراج كل حذاء ايراني، والتركيز على لبنان باعتبارها منطقة ذات اهتمام عالٍ بسبب تهديد صواريخ حزب الله لإسرائيل.