العراق وستراتيجيات الفعل السياسي

آراء 2019/01/16
...

علي حسن الفواز
الزيارات المتواترة لوفودٍ رسمية، ولعناوين سياسية كبيرة الى العراق تؤشر واقعاً سياسياً جديداً، سيشهده العراق، وستشهده المنطقة كذلك، وبقطع النظر عن طبيعة الاجندات التي تحملها كلّ زيارة، إلّا أن واقع الحال يعكس اهمية العراق الجيوسياسية في المنطقة، مثلما يعكس الحاجة لأن يلعب العراق دوراً مهماً في مواجهة اللعبة المعقدة للمحاور والخنادق التي يشتعل اوارها، وتأخذ بها التصعيدات والتصريحات الى مآخذ خطيرة.
فما الذي يجري اولاً؟ وكيف يرى الآخرون العراق القوي من الخارج، والباحث عن حلول واقعية لمواجهة ضعفه 
الداخلي؟
لا شك انّ تضخم المشكلات في منطقة الشرق الاوسط بات يُلقي بظلاله على الواقع، ويُصيب الجميع بعدوى(الرعب السياسي) والخوف من تداعيات الفشل السياسي، وتعرّض المصالح الاميركية والاقليمية الى صدمات من الصعب السيطرة عليها، لاسيما بعد الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي مع ايران، والتلويح بالانسحاب العسكري من سوريا، وتبدّل المواقع المثير للجدل في خارطة الاحداث السورية، والانتصار الذي تحقق على الجبهة العراقية، وتفكك الخنادق الطائفية على الجبهة السياسية، وهو ما يفيد في ايجاد واقع جديد، له حساباته، ومعطياته، وله استحقاقاته كذلك..
احسب  انّ هذه الزيارات تدخل في اطار الاستحقاقات، ومن مستويات متقاطعة، فزيارة وزير الخارجية الاميركي تقابلها زيارة وزير الخارجية الايراني، وزيارة الملك عبد الله الثاني تقابلها زيارة وزير الخارجية الفرنسي، فضلا عن الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية الى عدد من دول المنطقة، وكأن الجميع يصرّ على توكيد هذه الحقيقة، وعلى السعي لتفكيك الغاز وشفرات الحروب السرية في المنطقة...
 
البحث عن حلول سرية
خيار الحرب سيكون خياراً احمق، والذهاب في لعبة الحصار الاقتصادي لايران سيدفع الى مزيد من التأزيم والتصعيد، على مستوى البحث عن حلفاء جدد، وممرات جديدة للنفط أو للمصالح، وهو ما يحدث الان بين ايران وتركيا وروسيا والهند وغيرها من الدول، وعلى مستوى اعادة التلويح بـ(تخصيب اليورانيوم) الايراني والذي اعلن عنه صالحي المسؤول النووي الايراني عبر زيادة التخصيب الى 20 % وبتقانات ايرانية، وهو ما يعني توتير حرب التصريحات في المنطقة، واشاعة اجواء الخوف من (حرب نووية) قد تكون اسرائيل طرفاً
 فيها..
البحث عن حلول(تحت الطاولة) قد يكون هو الخيار العقلاني، والذي يسعى اليه الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة، والتي باتت تُفكّر الان بصوتٍ عال، ومن خلال تصريحات وزير خارجيتها بايجاد حلف عربي دولي لمواجهة ايران، واخرها الدعوة الى عقد مؤتمر وارشو، والذي لايعدو كما نرى الّا جزءا من الهوس بالحرب الاعلامية، والتلويح بمزيد من العقوبات ضد ايران، وربما هو تحفيز للايرانيين على التفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية بشأن عديد الملفات، واهمها الملف(الاسرائيلي) والصواريخ البالستية المُهددة لها، فضلا عن ملفات العراق وافغانستان وسوريا واليمن، وهي ملفات لها علاقة بالأمن القومي الاميركي، وبالملف القومي الايراني
 ايضا..
نجاح العراق في مواجهة داعش والقضاء الستراتيجي على خطورته الامنية والتكفيرية، يعني بروز معادلات امنية جديدة في المنطقة، وقوى جديدة تُحرّك هذه المعادلات، واهمها بروز الحشد الشعبي كقوة ميدانية فاعلة، ومؤثرة في ضبط المسارات الامنية  على الحدود، وفي المدن المحررة، وحتى في المناطق التي مازالت تواجه بعض الجيوب الارهابية.
ستراتيجيات الفعل السياسي ليست بعيدة عن المُعطى الامني، ولا عن معطياته، والذي ينبغي أن يعزز القول الشائع بـ(أن المنتصر في الحرب سينتصر في السياسة) بوصف ان هذ الانتصار العسكري في هذه الحرب الوطنية اعطى للقوى الامنية العراقية، من الجيش والشرطة وقوات مكافحة الارهاب والحشد الشعبي حضوراً كبيراً ومؤثراً، بات استثماره في الميدان السياسي واضحاً، وهذا مايُثير ريبة الولايات المتحدة، وبعض الدول الاقليمية، ومن منطلق وضع الحشد الشعبي كقوة ذات مرجعيات معروفة، وهذا ما يبخس حق هذه القوة ذات العمق الشعبي، والتعاطي مع دورها بنوع من النكران، لاسيما ان هذه القوة اصبحت جزءا من المنظومة الامنية تنظيماً وتسويقاً، ولها قانونها الخاص الذي أُقرّ في مجلس
 النواب..
إن التنسيق بين ستراتيجيات الفعل السياسي والفعل الامني يتطلب جهودا واقعية وحقيقية، لاسيما باتجاه انجاح الفعل السياسي، وباتجاه تأمين الظروف الخارجية والداخلية لوضع العراق كقوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة، وفي الحفاظ على توازناتها الامنية والاقتصادية، وابعاد شبح الحرب والصراعات طويلة الأمد عنها، واحسب أن تواتر هذه الزيارات، وبهذه المستويات الكبيرة هو الدليل على امكانية البحث عن افق لترتيب وقائع المعالجات السياسية للازمات الامنية، وفي مواجهة اسباب تفاقمها، وتحويلها الى صراعات ستهدد مصالح الجميع، بما فيها مصالح الولايات المتحدة ذاتها.