عبد الحليم الرهيمي
قبل بدء العام الجديد بنحو أسبوعين أعلن رئيس دولة الامارات العربية الشيخ خليفة ابن الشيخ زايد عن تسمية العام 2019 عاماً للتسامح، وقد جاء هذا الاعلان بعد قرار سابق اتخذته الامارات في شباط 2016 باعادة هيكلة الدولة وتشكيل وزارة جديدة تضم 31 وزيراً بينهم 8 نساء من ضمنها وزارة (السعادة) ووزارة (التسامح)!.
وبينما حددت المهمة الأساسية لوزارة (السعادة) بمتابعة خطط الدولة والأشراف على برامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع، كماء جاء في اسباب استحداثها، حددت مهمة وزير الدولة للتسامح: بترسيخ مبدأ التسامح كقيمة أساسية في المجتمع وتحقيق الانسجام بين كافة خطط الدولة وسياستها.
لقد جاء الإعلان عن تسمية العام الجديد 2019 عاماً للتسامح سعياً على نهج دأبت عليه دولة الامارات في السنوات الاخيرة بأن يتخذ كل عام اسماً محدداً بهدف إحداث حراك مجتمعي حول عنوان عام، وهكذا سُمّي العام 2015 بـ (عام الابتكار) والعام 2016 بـ (عام القراءة) والعام 2017 بـ (عام الخير) والعام 2018 بـ (عام زايد)، وفي ضوء ذلك اكد الشيخ خليفة رئيس الدولة على (السعي لتحويل قيم التسامح الى عمل مؤسسي مستدام يعود بالخير على شعوبنا)، وكذلك الى سياسات حكومية ترسخ التسامح ودراسات مجتمعية معمقة لنشر مبادئ التسامح لدى الاجيال الجديدة
، وهو ما سيشهده، كما قال، عام التسامح من تأكيد على محاور رئيسة منها تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب، وكذلك القيام بمجموعة من المبادرات والمشاريع الكبرى منها المساهمات البحثية والدراسات الاجتماعية والثقافية المتخصصة وحوار الثقافات والحضارات، ثمّ مأسسة قيم التسامح الثقافي والدين والاجتماعي من خلال مبادرات اعلامية هادفة.
اما نائب رئيس الدولة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد فقد شدد على ضرورة ارساء قيم التسامح ونبذ التطرف والانفتاح على الثقافات والشعوب كتوجه مجتمعي عام تنخرط فيه فئات المجتمع كافة. وفي إشارته لأهمية قيم التسامح و (عام التسامح) أكد بن راشد (بأن أكثر ما نفاخر به امام العالم ليس ارتفاع مبانينا ولا اتساع شوارعنا ولا ضخامة أسواقنا، بل نفاخرهم بتسامح دولة الامارات).
لا شك، ان هذا الاهتمام الذي توليه دولة الامارات لمبادئ وقيم التسامح وأهميتها وتسمية العام 2019 بـ (عام التسامح) هو اهتمام لافت ومهم، إذ ان دولة الامارات التي يتسم سكانها بالتنوع والتعدد الاثني والديني والمناطقي (أصليين ووافدين) من دول مختلفة دون ان تكون بينهم عداوات وحزازات وتنافرات شديدة، لكنها، مع ذلك، دعت الدولة الى الاهتمام بمبدأ التسامح ورفع شعار عام التسامح.. فإن العراق المتعدد الاقوام والشعوب والاديان والمذاهب والأيديولوجيات الفكرية والحزبية، والتي جرى ويجري التعبير عنها بصراعات ومناكفات حادة – وأحياناً بحروب دموية – يتطلب اهله وشعوبه، اكثر ما يتطلب الى ترسيخ وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والتصالح مع نفسه ومع الآخر والرفض الحازم والقوي لكل الدعوات المحلية والأقليمية والدولية التي تبث العداء والكراهية والحقد على الآخر، وهي الدعوات التي تشجع وتعزز الانقسام والتشتت والفرقة عبر الضخ الإعلامي الهائل.
ان العراق، بقياداته السياسية والثقافية والاعلامية الرسمية وغير الرسمية معني ببذل المساعي الجادة والمتواصلة لنشر وتعزيز ثقافة وقيم التسامح والحوار والتصالح مع الآخر المختلف.. واذا كانت دولة الامارات قد سمّت هذا العام بـ (عام التسامح)، فالعراق بحاجة أكبر لأن يكون هذا العام والاعوام المقبلة أعوام تسامح بما يتطلبه ذلك من برامج وسياسات ودراسات وبحوث وخطط عمل للتطبيق، ذلك ان التسامح هو هدف ومبدأ اساسي لمكافحة الفكر المتطرّف الذي يرفض التسامح ويعادي الآخر، وهو مبدأ اساسي لإعادة بناء العراق على أسس وقواعد سليمة عندما تتوفر!.