أ.د. نجاح هادي كبة
مقـدمة:
عرف العرب العلاج النفسي منذ العصر الجاهلي، فاستخدموا التمائم والرقى والخرز والعزائم وكان لديهم اطباء ومن الجاهليين من يزعم انه يتصل بالجن والشياطين لمساعدة المرضى المصابين بالامراض العقلية، وقد نجحت بعض الحالات المرضية، بوساطة هذا العلاج ربما يعود الى ايمان المريض بها وهذا مايعرف بعلم النفس الحديث" بالايحاء الذاتي" (ينظر تطور المعالجة النفسية، د. صطفى غالب ، مكتبة الهلال، بيروت، ص:57) ولما اشرق الاسلام بنوره حرم هذا النوع من العلاج النفسي، ودعا المسلمين الى الاستشفاء الروحي والجسمي بالقرآن الكريم طبقا لقوله تعالى (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين الا خسارة ) سورة الاسراء اية :82 .
ولا بد من الاشارة الى ان العرب كانت تحيطهم اكبر امبراطوريتين انذاك هما الامبراطورية الرومانية، التي ورثت علوم الاغريق، وكانت تحتل سوريا والامبراطورية الفارسية، التي تحتل اليمن والحيرة، والعرب امة تتأثر بما حولها من الامم وتؤثر فيها، فظهر في العصر العباسي فلاسفة مارسوا التطبيب كابن سينا والرازي والكندي وابدعوا في العلاج النفسي، وكان لهم تأثير طبي في اوروبا في القرون الوسطى، حين كان يسودها الظلام وقد استخدموا انواعا من العلاج النفسي يضاهي العلاج النفسي المعاصر في علم النفس الحديث ومنه العلاج السلوكي وعلى النحو الاتي:
العـلاج السلوكي: من اشهر اصحاب نظريات التعلم في العصر الحديث واطسون، بافلوف، جثري وغيرهم وقد استخدمت نظرياتهم في التعلم، لاسيما في العلاج النفسي وهذه النظريات لا تؤمن بالتحليل النفسي وماضي الفرد، فهي تبحث عن دراسة سلوك الانسان او الحيوان للتنبؤ والسيطرة عليه ومن اصحاب هذه النظريات نظرية بافلوف العالم الروسي ( 1849 – 1936 ) وتسمى نطريته بالتعلم الشرطي، وهي ( تتلخص في ارتباط مثير طبيعي بمثير صناعي جديد – اي غير طبيعي – يخلع على المثير الصناعي قوة المثير الطبيعي فاذا به اصبح قادرا على اثارة السلوك ) " اصول علم النفس ، د . احمد عزت ، ط:6 الاسكندرية ، ص:235 " ويضرب د. احمد عزت راجع امثلة على ذلك فيقول: ( من المعروف ان المطر لا يثير الخوف في نفس الطفل الصغير، لكن الرعد يثيره على ان ارتباط المطر بالرعد يجعل المطر مثيرا مخيفا، والاصل ان زيت الخروع لا يثير فينا النفور والتقزز من مجرد رؤيته او سماع اسمه ....) اصول علم النفس ، المصدر نفسه ، ص: 235 " . والشيخ الرئيس ابن سينا طبق نظرية التعلم الشرطي قبل تنظيرها من بافلوف، ولاسيما في العلاج النفسي فما يذكر ( انه عرض على ابن سينا ابن اخت شمس المعالي قابوس بن وشكمير امير جرجان ، وقد اعيا الاطباء امره، فلما راَه وخاطبه في شأن مرضه تبين له ان مرضه هو الحب ولم يشأ المريض ان يبوح باسم محبوبته، ولما علم ابن سينا ان شفاء المريض متوقف على معرفة محبوبته وازالة ماعنده من وجدانات وعواطف كامنة مرتبطة بها، اخذ على نفسه ان يعرف اسمها بأية وسيلة، فأمر سكان المدينة سنا، فلما حضر قال له: اتعرف شوارع هذه المدينة شارعا شارعا ، وهو قابض على يد المريض ليتحقق من مقدار سرعة نبضه، فلما ذكر اسم احد الشوارع اسرع نبض المريض، فأمر الرجل ان يذكر اسماء الشوارع المتفرعة من هذا الشارع، فلما اتى الى اسم احدها ازدادت سرعة النبض ثانية ، فأمر رجلا اخر ان يقص عليه اسماء البيوت الواقعة في هذا الشارع الصغير، فلاحظ ابن سينا زيادة نبض المريض عند ذكر احد البيوت ، فطلب من رجل ثالث ان يخبره باسماء سكان هذا البيت من الفتيات، فلما اتى اسم المحبوبة اسرع النبض، فالتفت ابن سينا الى المريض وقال له: اليست هذه محبوبتك ؟ ولكنهم علموا ان شفاءه بالتزويج بها فزوجوها اليه ، فبرئ من مرضه وعاد الى حالته الطبيعية ) " المعالجة النفسية ، المصدر نفسه ،ص:69-70 " فالمثير غير الطبيعي في النص المتقدم : اسماء الشوارع ، اسماء البيوت ، سكان البيت فحصل ابن سينا على الاستجابة الشرطية الطبيعية من هذه المثيرات الصناعية غير الطبيعية، ويلاحظ على ابن سينا استخدامه قانون التدعيم وهو تقوية الارتباط بين المثير والاستجابة في نظرية بافلوف عن طريق اضافة اسم دال كالسكك والمساكن والحرف والصناعات، حتى اذا كان يتغير عند ذكر شيء مرارا جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحلة والحرفة ) " المعالجة النفسية " المصدر نفسه ، ص:67 . وكذلك استخدامه قانون التكرار وهو اعادة المثير لتقوية الارتباط بين المثير والاستجابة الذي اكتشفه بافلوف في نظريته واستخدم ابن سينا العلاج التكريهي عند جثري وهو ان تكون المثيرات كريهة تقزز المستجيب وتنفره.