تلك مقولة كثيرا ما نسبت إلى اليابانيين، تكاد تكون حكمة عصرية تصلح لدولة متحضرة تتعاظم فيها الموارد، وتتعدد فيها الثروات، المادية والبشرية، معا، فمقولة"نبيع الحليب ونحتفظ بالبقرة" جملة بسيطة، كلماتها معدودة
، لكن معناها يتعدى حدود النظرة الاسطاطيقية لها، حيث تنطوي على طموحات جمة، وآمال كثيرة، تنم عن ثقة من قالها، وحكمة من عمل بها وعقلانية من أراد أن يؤسس عليها دولة متطورة، وحكومة رشيدة
|، وشعبا واعيا، وعيشا كريما، ورجاحة فكر من أراد أن يرسي عليها قواعد البناء المتصاعد لدولة مزدهرة، ومجتمعا ناميا، وبالتالي قوة اقتصادية عالمية ذات تأثير دولي ينعكس بشكل ايجابي في أصحابها، أولا، وقبل كل
شيء،
وعلى الاقتصاد الدولي ثانيا، والأمران معا يعضدان التنمية الوطنية الشاملة لمن أمن بها، فالدول المتطورة كاليابان وغيرها تمتلك الثروات وتحوي أراضيها معادن الطاقة والوقود ولا تبيعها كمواد خام بأثمان تتأرجح مع حراك الاقتصاد والمتغيرات الدولية، بل تجعل منها مواد أولية لتحولها بواسطة عملية تصنيع متقدمة، تنتج منها سلعا ومواد أخرى، تستفيد منها في الاستهلاك المحلي، والتصدير الخارجي، لتعود بها أموالا طائلة، فالاقتصاديون اليابانيون كأنهم مزارعون ماهرون
، يبيعون إنتاج البقرة من الحليب، ولا يفرطون بالبقرة
، لأنهم يبيعون الإنتاج ولا يبيعون مصدره، بل يسيرون إلى ابعد من ذلك، حينما صنعوا الحليب كمادة أولية تحويلية لمواد أخرى تدر عليهم بإرباح أكثر من بيع الحليب غير المصنع.
تلك المقولة رسالة نبعثها لمن سيتصدر دفة قيادة وإدارة العمل الاقتصادي في حكومتنا الجديدة، لاسيما في مجالات النفط والصناعة والزراعة والتجارة والكهرباء والبلديات والأعمار والإسكان
، والتي نتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار الإمكانيات الوطنية التي يتمتع بها بلدنا والثروات الهائلة التي تكتنزها أرضنا المعطاء، فضلا عن الموارد البشرية المنتجة إلي يمكن لها أن تقوم بما مطلوب منها شريطة أن تتوفر لها إدارة صاحبة إرادة، تتمتع بقدرة عالية على التخطيط والتنفيذ للمشاريع، إنتاجية كانت أم خدمية
، وتمسك بزمام تنمية وطنية شاملة قادرة على النهوض بواقع البلد، وتحقيق مستقبل مشرق لكل
العراقيين.
ولابد من الإشارة إلى أن شبكة الإعلام العراقي بجميع منافذها كانت سباقة في إطلاق حملة لدعم المنتج المحلي وتشجيع الصناعة الوطنية تحت شعار"صنع في العراق"، بالاستفادة من موارد البلاد والطاقات البشرية
الوطنية.
ومن باب الموضوعية والتجرد والأمانة الصحفية تقفز إلى أهمية الذكر إجراءات وزارة النفط في الحكومة السابقة، من خلال وزيرها المهندس جبار اللعيبي التي أبرمت عقدا مع إحدى الشركات البريطانية لتطوير إنتاج حقول نفط كركوك ضمن خططها لاستثمار الغاز المصاحب لعملية الاستخراج بطرق نوعية، غرضها إعادة تقييم شامل للحقول والمنشآت النفطية، للأعوام الماضية، ما توجب إيجاد معالجات مطلوبة وفق رؤية مستقبلية حديثة
، ومن خلال الاستخدام الأمثل للتكنوجيا المتطورة، وسعيها لوضع الحلول المناسبة للاستمرار بعمليات الاستثمار.
وسد الحاجة المحلية من تلك المادة، بعد أن كانت تذهب هدرا، كما تعاقدت مع شركة اوريون الأميركية لاستثمار الغاز المصاحب بواقع 150مليون متر مكعب قياسي في حقل نهر بن عمر في البصرة، الأمر الآخر هو أعمال الوزارة للاستفادة من الغاز الجاف الخاص بالاستخدام في توليد الكهرباء في المحطات المحلية، وصناعة البتروكيمياويات والأسمدة وإنتاج كميات كبيرة من المشتقات النفطية والعمل على تصديرها في المستقبل، كل تلك الإجراءات تعزز الاستفادة القصوى للثروات العراق من خلال تحويل المواد الأولية الخام إلى مواد
مصنعة.