عقوبات أم عوامل قوة ؟!

آراء 2019/01/25
...

يونس جلوب العراف
في كل يوم يمر علينا نرى ونسمع بتهديدات اميركا العديدة عن توجيه ضربة عسكرية لايران، فضلا عن قيامها بفرض عقوبات اقتصادية على هذه الدولة منذ مايقارب الاربعين عاما، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة إن إيران اصبحت دولة مكتفية ذاتيا على الاصعدة كافة، وتملك جيشا قويا، إضافة إلى تطور ملحوظ في مجال الصناعات العسكرية، كما أصبحت من الدول الرائدة علميا على مستوى العالم، فهي أطلقت خلال السنوات الماضية مركبات وأقمارا اصطناعية إلى الفضاء
، وجميعها مصنعة في داخل المصانع الإيرانية التي تطورت بشكل كبير بالتزامن مع التطور الحاصل في برنامجها النووي السلمي، لكن الغرب لم يتوقف عن فرض عقوبات على إيران على الرغم من عدم جدواها، لكونها أدت إلى نتيجة عكسية وليس كما تشتهي الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الذين في بعض الاحيان يسايرون الولايات المتحدة في عملية فرض العقوبات على ايران على الرغم من انهم لايريدون الغاء الاتفاق النووي معها ويرون فيه حفاظا على السلم 
الدولي.
اعلان العقوبات من قبل الغرب لم يتوقف عند حد معين، ففي الايام القليلة الماضية أعلن الاتحاد الأوروبي أنه أدرج إيرانيين اثنين وإدارة الأمن الداخلي التابعة لوزارة المخابرات الإيرانية في قائمته للإرهاب وقال الاتحاد في بيان صدر عنه، إن "هذا الإدراج جاء في إطار رده على هجمات إيرانية أحبطت مؤخرا على أراض أوروبية، فقد اتفق وزراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل على هذا الإجراء الذي بدأ تنفيذه الأربعاء 912019  ويعني تجميد أصول المدرجين في القائمة السوداء.
هناك سؤال مهم وهو ما هدف العقوبات الغربية على إيران في هذا التوقيت؟ لاسيما ان اتخاذ قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إيران قد تم بدون أي نقاش، وبدون انتظار أي نتائج للتحقيقات، وهم في الاساس متكتمون عليها، وهذا مايجعلنا نطرح تساؤلات بشأن غموض هذه التحقيقات، فهناك تخبط في منظومة الاتحاد الأوروبي الذي يدافع عن الاتفاق النووي ويعارض أميركا بفرض العقوبات
، بينما يفرض الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات غير المجدية على مسؤولين إيرانيين وعلى فرع من الأمن الإيراني، وهذا في اغلب الظن لايعدو عن كونه نوعا من ترطيب الأجواء بين الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل نتيجة الضغوطات التي تمارس على الأوروبيين من قبل أميركا وإسرائيل، وكل ذلك يبقى ضمن مناورات إعلامية لم تجد نفعا، اذ لا توجد ودائع مالية لمسؤولين إيرانيين في بنوك أوروبية 
وأميركية.لقد تم اتخاذ القرار على الرغم من عدم وجود أي دلائل على تورط إيرانيين بأي عمل إرهابي، لذلك لا تستطيع الدول الأوروبية أن تقدم أي إثباتات للإعلام، بل ربما الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية متورطة بهكذا عمليات.في ضوء ذلك هناك من يتساءل ما هي عوامل القوة لدى إيران أمام العقوبات الغربية، وهل يمكن أن تخضع إيران للإملاءات الأميركية 
والغربية؟ 
وللجواب على هذا السؤال نقول إن إيران منذ أربعين عاما تتعرض لعقوبات، وقد تعايشت مع العقوبات التي كانت أقسى من العقوبات التي تفرض عليها الآن، خاصة أن إيران ضمن حلف المقاومة وهي على رأسه، وهو الآن في زمن الانتصارات وليس في زمن الخسارات، وهذا عامل قوة لإيران، والعامل الثاني في قوة إيران هم حلفاء إيران، مثل روسيا والصين المتمددة على حساب الدول الغربية وأميركا التي تخسر الآن معاركها على عدة جبهات، وخصوصا في الشرق الأوسط، وإيران ليست بحاجة لا للاتحاد الأوروبي ولا لأميركا، بل على العكس فالاتحاد الأوروبي بحاجة لإيران وسوقها وغازها ونفطها، وهذا عامل قوة لإيران التي لم تخرج من الاتفاق النووي، لو خرجت منه سيكون ذلك لمصلحتها، عندها لن تكون عليها مراقبة ولا عقوبات
، ولن تأخذ بعين الاعتبار لا الغربيين ولا الأميركيين
، كما أن انتصار إيران مع محور المقاومة على الإرهاب في المنطقة هو عامل قوة لها، كما أن صبر إيران وقوتها واستمراريتها بالتطور التقني والعلمي يعطي نتيجة فعالة في الشرق الأوسط والعالم، لذلك نرى الأوروبيين يتفاوضون من تحت الطاولة مع إيران على حساب الولايات المتحدة، ولو لم يكن لدى إيران عوامل قوة لما أخذ الأوروبيون بعين الاعتبار كل هذه 
الأمور.
ان الحكومة الإيرانية لم تسكت تجاه ما يحدث حيث استنكرت فرض عقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية هذا الإجراء الجديد "بغير المنطقي والمفاجئ"وقال في بيان له إن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على عدد من المواطنين الإيرانيين "بحجج واهية وبدون اي
 أساس".
من جانب آخر اكد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ان:" قرار الرئيس ترامب بسحب القوات من سوريا لن يؤثر أبدا في قدراتنا في مواجهة إيران وسترون في الأسابيع المقبلة أننا سنضاعف جهودنا لممارسة الضغط على إيران" لكن كل هذا التخويف لم يكن له اي نتيجة تجبر ايران على التراجع عما تريده من اهداف، بل انها ازدادت ثباتا على موقفها 
وصمودا.
في ظل صمود ايران بوجه التهديدات والعقوبات هل يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين والدوليين أن يذهبوا إلى أبعد من العقوبات على إيران، أي توجيه ضربة عسكرية 
مثلا؟ 
الجواب ايضا كلا فقد اكدت التجارب الماضية ان جميع تصريحات الأميركيين هي عبارة عن كلام لا أكثر، فإيران تكسب المعارك، ولدى إيران جيش قوي، وهي دولة صناعية وسياسيوها محنكون وهي على رأس محور فيه عدة حلفاء أقوياء، لذلك وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو يستطيع أن يقول ما يقول، لكن ما يهمنا هو ما يحصل على أرض الواقع، حيث تبدو الولايات المتحدة ضعيفة وخسرت معاركها، واليوم ترد إيران وروسيا والصين على العقوبات الغربية وليس كما كان الأمر سابقا بدون رد، وهذا يعني أن الأميركي يضعف وعليه أن يعود الى لغة العقل والتعامل بعقلانية وإلا سيكون خاسرا.
لذلك يمكن القول انه ربما لم يبق  لدى الغرب والولايات المتحدة لغة سوى لغة العقوبات والتهديد والوعيد، والتي أصلا لم تجد نفعا لا مع روسيا ولا مع إيران ولا مع الصين وغيرها من الدول، وكأن الغرب على الرغم من امكانياته الكبيرة، أصبح يفتقد الى لغة الدبلوماسية والحوار لحل المشاكل الدولية وتقريب وجهات النظر بدلا من تعقيد القضايا العالمية وتسخينها لإشعال الحروب والفوضى في المنطقة في سبيل تحقيق اهدافها، واولها توسيع وجودها في الشرق الاوسط ومحاولة تقليص النفوذ الايراني الذي لم تتمكن تقليصه من خلال فرض العقوبات فلاغرابة ان نرى اتهامات اخرى لايران من اجل فرض المزيد من العقوبات .