مدارس بمليار دولار

آراء 2019/01/26
...

صادق كاظم
 

امر مفرح ان يخصص مبلغ تريليون دينار عراقي اي ما يعادل المليار دولار اميركي لقطاع التربية في العراق بعملية مناقلة للموازنة العامة وبالذات لترميم وبناء مدارس جديدة وانهاء حالة الفوضى والاهمال والفساد الذي رافق عمليات بناء المدارس وخصوصا بعد الحملة الفاشلة السابقة لاعادة بناء المدارس وهدم المئات منها، مما تسبب بتشريد آلاف الطلبة وترك هذا الملف مفتوحا لغاية هذه اللحظة  من دون بناء مدرسة واحدة حتى. المدارس في العراق بحاجة الى حملة اعمار شاملة تتضمن تغطية بناء مدارس حديثة واعادة ترميم القسم المتبقي منها، حيث تعاني مدارسنا من نقص هائل في اعدادها ووجود ازدواجية وضغط  في الدوام  فيها تتسبب بارهاق للتلاميذ والمدرسين، اضافة الى ملفات صيانة هذه المباني وعدم توفر الاموال الكافية للمحافظة عليها واعمارها، العراق قد يكون البلد النفطي الوحيد في المنطقة الذي لا يزال يحتفظ بمدارس مبنية من الطين تعود الى العهدين السومري والبابلبي وليس الى القرن الحادي والعشرين الذي بات العالم  المتقدم فيه يستغني عن الطرق التقليدية في التعليم ويتبنى الطرق الالكترونية الحديثة عبر اعتماد طرق تدريسية عبر الانترنت واجهزة الايباد التي يحملها التلاميذ بدلا من حقيبة الكتب المدرسية المعتادة والمعروفة ناهيك عن المدارس المبنية بطرق عمرانية جميلة تستوعب الطلاب فيها مهما كانت اعدادهم  ومجهزة بجميع وسائل التعليم والراحة.
العملية التعليمية في العراق باتت بحاجة الى مراجعة شاملة، خصوصا وان هناك الكثير من الاخطاء الكارثية وحالات الفساد الضخمة التي تتسلل بين اروقةعملها بدءا من ظواهر الغش في الامتحانات التي تحدث كل عام وطباعة الكتب المنهجية والاخطاء المطبعية العديدة فيها وعدم توفر اعداد كافية منها للتلاميذ، اضافة الى شبهات اجور طباعة هذه الكتب وبتكاليف باهظة ولجهات سرية ما زالت تمسك بهذا الملف وبقوة ومنذ سنوات عديدة، وهذه الملفات تحتاج الى معالجة شاملة وجريئة عبر ايجاد الحلول لها ومحاربة الفساد المستبطن داخلها، فضلا عن القيام بعملية اصلاح للعملية التعليمية يكون التلاميذ والمدرسون الجزء الرئيس فيها  بالاستعانة بخبراء متخصصين تعيد لقطاع التربية العراقي العريق في المنطقة هيبته وصورته الجميلة في اذهان من عاصر ايام ازدهاره وتقدمه.
عملية تطوير قطاع  التربية في العراق ليست مجرد ابنية حديثة وجميلة فقط، بل يجب ان يرافقها تطوير حقيقي  للتلاميذ عبر غرس قيم  احترام النظام والقانون والايمان بالبلاد وتطويرها واحترام الاخرين وهي مخرجات بحاجة الى كوادر تعليمية متطورة ومثقفة تتمكن من تنفيذ آليات ومفردات البرنامج التعليمي المتطور، خصوصا ان  قطاع التربية يعد اهم واخطر قطاع في البلاد، باعتباره الحاضنة الفكرية التي يستمد منها التلاميذ القيم ويكون الخزان الرئيس والاساسي الذي يمد البلد لاحقا بالكفاءات العلمية والاقتصادية التي يمكن ان تسهم في تقدم البلاد وتطورها، الاستثمار في التعليم وزيادة مخصصاته وتطويره لا يقل اهمية عن القطاعت الحساسة في البلاد كالدفاع والداخلية، اذ ان تطويره والخروج عن الاساليب الكلاسيكية المعتمدة حاليا في العملية التعليمية الرسمية هو حجر الاساس في النهوض بالبلاد وتقدمها ومعالجة الاخطاء الكارثية المتراكمة التي زحفت على هذا القطاع منذ عقود طويلة .
البلاد اليوم بحاجة الى اكثر من  خمسة آلاف مدرسة على الاقل في مناطق العراق كافة وترميم ضعفها من البنايات المتضررة من عدم توفر الصيانة الكاملة لها والمليار دولار في الواقع ليس كافيا لكنه يلبي المتطلبات الاساسية  وهناك حاجة ماسة لاشراك العديد من الجهات المتبرعة وفق خطة سنوية منظمة للقيام بحملة بناء المدارس وافتتاحها في مختلف المناطق في البلاد حتى وان احتاج الامر الى سنوات عديدة مقبلة، فالمهم ان تكون هناك بداية جادة وناجحة  تسعد اعزاءنا التلامبذ وحقهم في ان يمضوا سنواتهم الدراسية في مبان نظيفة ولائقة لهم.
ان العديد من دول العالم المتقدمة حققت ثورات اصلاحية كان التعليم والمدارس ركنها الاساسي عبر شمولية التعليم ومجانيته وفي الوقت نفسه تطوره من خلال وجود كوادر تعليمية متقدمة نجحت في ترجمة مفردات البرامج التعليمية المتقدمة وتحويلها الى نتاج علمي وادبي واخلاقي رفيع انعكس على تقدم تلك البلدان وتطورها.