علي عبد الخالق
على الطريق السريع رقم 80 الرابط مدينة الكويت بمنفذ العبدلي على الحدود العراقية الكويتية، كانت وحدات من الجيش العراقي تنسحب صوب البصرة، في ليلة 26 شباط 1991 رصدتها طائرات التحالف الدولي وأحالتها ركاماً من حديد ونار خلال ست ساعات وعلى ثلاث مراحل رغم إعلان وقف اطلاق النار بقرار دولي. لم يكن ما حدث بالضبط واضحاً أمام العالم، تكفل مصورو الوكالات الأجنبية بالتوضيح، من هؤلاء مصور مستقل يدعى كينث جاريك عثر هذا على القافلة المدمرة ووثق بعدسته جثة متفحمة على سطح ناقلة عسكرية في طريق الموت، انها مجرد زاوية من زوايا العالم التي لم ينتبه لها الرأي العام الدولي، جانب قذر من الحرب، جاريك علق لاحقاً بعد جدل عرض القسوة للجمهور: "لو لم أكن اتخذت هذه اللقطة، هناك أناس مثل أمي سيعتقدون أن الحرب هي ما يشاهدونها عبر التلفاز".
منذ عهد حرب فيتنام وانتشار الصورة الشهيرة لمراهقة محلية تركض صارخة بجلد محترق أمام جندي أميركي وما احدثته من جدل أسفر لاحقاً عن إنهاء الحرب، دخلنا عصر قوة الصورة، الناقل الصامت المحايد والعنيد، عصر السيطرة على المؤثرات وتسليط العدسة في أي اتجاه، انه الوقت الذي صار بإمكان مقطع فيديو او صورة تأليف حكاية وموقف صلب بالاعتماد على الصدمة، إذ لم يقف العالم على قدميه مصعوقاً تجاه أزمة اللجوء والنزوح عقب تمدد داعش، حتى ظهور صورة جثة الطفل السوري إيلان على السواحل التركية في 2015، لكن، هل هذا أخلاقي مئة في المئة في عُرف الصحافة؟ وما مدى ضمانة عدم الوقوع في فخ التصديق الأعمى لقصة يبدأ بها مصور وتنتهي بين يدي رئيس التحرير التابع لسياسة وأولويات محطة او صحيفة ما؟
ان حمى تصاعد المشاهدات والشهرة تخدم أولوية المحطة في توجيه المتلقي حين يتم رسم الموقف وهو ما يمكن الاتفاق عليه بأنه "زاوية التناول"، هل ندخل في جدل ان هذا ليس موضوعياً، من ناحية الإحاطة بالموضوع من كل جانب وسماع كل الحجج وعرض كل الآراء؟، لا، لن نفعل.
عدم الحياد يتبع أساسيات يُعرفنا عليها علم الاتصال، منها انه موجود في بنية وسائل الاعلام، ولا ينتظر منها النزاهة المطلقة تجاه الجمهور مثلما لا يمكن النزوع الى الكسل عبر تحميل صناع الاخبار مسؤولية "لوي عنق الحقيقة" باعتباره خطأ في عصر تعدد وسائل المعلومات، حيث يكتفي الكثيرون ممن يجلسون في غرف الاخبار بالقول "نحن حملة مرآة الكترونية للواقع، او على الاقل نصفه".
ان توجه الليبرالية الجديدة ضخ أموالاً طائلة في حقل الميديا بشكل عام وحولها الى مشغل هائل لصناعة الرأي، مستغلاً الحاجة المتزايدة للمعرفة والتواصل، لتصير المسحوق السحري لغسل الاموال والفرشاة الكبيرة لقلب الالوان والامزجة والمطرقة الهائلة لتحطيم قلاع خصوم واييولوجيات وحتى دول قائمة بذاتها.
من اجل هذا تصبح مشاهدة التلفاز او الضغط على زر "play" لأي مادة محفوفاً بالحذر المشابه لخطر الوقوع في مقلب او عملية نصب كان قد فعلها من تجاهل الأساسيات وعمل بالأولويات من اجل مرتب مريح.