هناك داء معروف يُسمّى بهشاشة العظام ، وهو ما يُبتلى به الكثيرون من الرجال عند الكبروهشاشة العظام في النساء يفوق حجمها هشاشة العظام في الرجال .
والسؤال الان :
هل تقتصر الهشاشة على العِظام فقط ؟
والجواب :انّ هناك شخصياتٍ هشّة :
هشّة في التفكير ،هشة في المواقف ،هشة في العواطف ،هشة حتى في العقائد ..!!
وهذه الهشاشة بكل صورها – ليست ظاهرةً جديدة في الامة .
انها موجودة منذ فجر الاسلام وحتى اليوم .
- 2 -
المثال التاريخي
جاء في كتاب (اهل البيت) لعبد الحميد السحار ص 167 ما خلاصته :
انّ رجلاً قاتل في (صفين) مع امير المؤمنين، ثم راى حُلًماً أزعجه، فجاء الى الإمام وقال :( إنّي خرجت من اهلي مستبصراً في الحق الذي نحن عليه ،
لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم ،وانهم على الباطل ،فلم ازل على ذلك مستبصراً حتى كانت ليلتي هذه ...
فتقدّم منادينا فشهد أنْ لا اله الا الله وأنَّ محمداً رسول الله ،ونادى بالصلاة ، فنادى مناديهم بمثل ذلك ، ثم أُقيمت الصلاة ، فصلينا صلاةً واحدةً، ودعونا دعوةً واحدة ،وتلونا كتابا واحداً ورسولنا واحد .
فأدركني الشك في ليلتي هذه فَبتُ ليلةً لا يعلمها الا الله حتى أصبحتُ ..!!
أقول :أيُّ هشاشةٍ أوضحُ من هذه الهشاشة، التي جعلت الحُلُم في المنام موجباً للاهتزاز ، لا في الموقف فحسب ، بل حتى في الاعتقاد ؟!
وهنا أحاله الامام (عليه السلام) الى عمّار بن ياسر (رض) ليوضح له الصورة ، فانطلق الرجل يبحث عن عمّار حتى وَجَدَهُ وقال له عمّار :
انّ الرايات التي تواجهه الآن هي عينُ الرايات التي كانت تواجهه في موقعة بدر أو موقعة أحد أو غيرها
وقال له ايضا :"والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر ، لعرفتُ أنّا على حق وهم على باطل ..!! "
هذه هي الشخصية القوية في بُنْيتِها الروحية والعقائدية والنفسية والمعرفية ..
لا تتزلزل ولا تتململ ولا تحيد عن الحق ، ولا تُخدع بالمسرحيات التي يمثلها أرباب الأهواء من عبيد الدنيا .
- 3 -
وفي أيامنا هذه بدأ أصحاب الشخصيات الهشة يقارنون بين (العراق الجديد) وبين أيام الدكتاتورية البائدة .
ويتحدثون عن انها كانت افضل من حالتهم الراهنة من بعض الوجوه ..!!
غاب عنهم ان الانسان العراقي كان ارخص السلع في اسواق الدكتاتورية البائدة ، فهو :
لم يكن مصوناً لا في دمه ولا في عرضه ولا في ماله ... ولم يكن يأمن الاجهزة القمعية على شيء من ذلك .
ان مجرد ابداء الكراهية للظلم ورمزه الكبير المتمثل بالطاغوت كان كافيا للاعدام..!! ، بينما لم يكن يُحاسبُ أحدٌ اذا جاهر بالكفر الصريح ..!!
ان الإفساد الاخلاقي بلغ الى درجة تحريض الاخ بكتابة التقارير عن اخيه، والزوجة عن زوجها ...، لا بل الابن عن ابيه .
ولو لم تكن للدكتاتورية من مثالب الا هذه المثلبة لكفاها ذلك عاراً وخزيا وادانة الى يوم الدين .
انّ الحروب الطائشة العدوانية (للقائد الضرورة) قد أبادت من شبابنا ما يصعبُ معه الإحصاء وانّ المقابر الجماعيةً لمن دَفَنَهم نظامُ الدكتاتور المقبور وهم أحياء – بما فيهم الاطفال والنساء – ما زالت تكتشف حتى اليوم .
ان قوافل الشهداء ضخمة الاعداد، عظيمة الحجم، يتصدرها الفقهاء والمفكرون وعيون الاحرار والحرائر .
انّ قيمةً حضاريةً كبرى كالامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر ، تُعتقل وتُعذّب وتُغتال انتقاما من الدين والعلم والاخلاق والحب العميق للعراقيين ..
- 4 -
وكما اغوى " الخوارج" مَنْ أَغْوَوْا مِنْ أصحاب الشخصيات الهشة،
فانحازوا اليهم بذرائع واهية وشعارات برّاقة ، استطاع الداعشيون مِنْ ورثتهم أنْ يجندوا الكثيرين من اصحاب الشخصيات الهشة ليتحولوا الى عصابات لا تحسن الاّ فن القتل والتعذيب والتفجير والاغتصاب ، واجتراح الجرائم والمظالم التي يندى منها جبين الانسانية .
-5-
ان الحاجة الى بناء الجيل القويّ عقائدياً وروحياً ونفسيا وانسانيا واخلاقيا وثقافياً ... حاجة ماسة، وهذه هي مهمة العلماء الربانيين ، والمفكرين المخلصين ، ورجال الثقافة والمعرفة والتربية المتنورين ، وفرسان الاصلاح من الكُتّاب اللامعين وكل القادرين على التنوير والاصلاح لئلا يقع السذج في مستنقعات الردّة والانحراف والخيانة.
HUSSEINALSADR2011@YAHOO