فن الإدارة بين السياسي والاداري

آراء 2019/01/26
...

هشام الشديدي
 

اتجهت معظم دول اوروبا بعد حربين عالميتين الى أسس جديدة في فن الادارة للنهوض من ركام حرب أكلت الاخضر واليابس، بل ولم تبق حجرا على حجر، فكان ان وضعت شروطا صارمة التزمت بها لعبور هذه المرحلة الشاقة من تاريخ الانسانية، عبر وضع خطط ستراتيجية لتطوير العمل الاداري ومن ثم الفني. هكذا نهضت اوروبا من جديد ونهض معها العالم، وقد اعتبرت هذه الاسس لاحقا نواة للبدء بمشاريع نهضوية في العالم. كلنا يتذكر مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية وكيف انه نهض بالمانيا واوروبا واصبح اليوم شهادة ووساما عالميين في الفكر والعمل الاداري.
ولكي تنجح مثل هذه الستراتيجيات يجب ان يختار الاشخاص الاكفاء في تولي المسؤولية، شخصيات تكنوقراط تبتعد عن الفهم السياسي للوظيفة لتعمل بالمفهوم الاداري والتطويري البحت لها. العراق اليوم، وبعد حروب طاحنة منذ ثمانينيات القرن الماضي، احوج ما يكون الى عقليات ادارية تنهض به من جديد وتضعه على سكة التطوير والتقدم، الا ان المتابع للشأن العراقي اليوم يرى ان المسؤوليات اصبحت نوعا من الترف والتكريم والاغداق على الاخرين لقربهم من هذا السياسي او ذاك، فكان ان  يطبقها بالطريقة السياسية لا الادارية، بمعنى هو لا يعني انه يدير ازمة يجب الخروج منها والا ما فائدة استيزار او تكليف مسؤولين جدد؟ الا ان عدم محاسبة المقصرين والبيروقراطية التي تنخر جسد الدولة العراقية، جعلت من المدير السياسي كثيراً ما ينجح في تسريع عملية التطوير، لتمتعه بشبكة علاقات مع صانعي القرار في مختلف القطاعات التي يحتاج إليها في تنفيذ خططه الستراتيجية، بينما المدير الإداري يواجه صعوبات غفيرة في تنفيذ أهدافه لعدم تمتعه بهذه العلاقات، فتذهب مجهوداته أدراج التسويف والإهمال من قبل الجهات التي يحتاج إليها.
وهنا مكان العقدة الحقيقية للمشكلة العراقية، لم نستفد من نظريات وتجارب فن الادارة في الدول المتقدمة، اذ لا يحتاج المدير الى تكوين علاقات سياسية مع أصحاب القرار لتنفيذ خطط وأهداف وزارته او مديريته، كل ما عليه هو اتباع سياقات العمل ليتم تنفيذ طلبه، دون محاباة لمدير قسم او شعبة او مديرية او وزير  حتى، فالجهات الرقابية تتابع الامر وترصد كل صغيرة وكبيرة ناهيك عن الاعلام.
لقد وعى القطاع الخاص ذلك، فكان ان اشرك عبر توقيع عقود وظيفية مع أصحاب التخصصات السياسية في بعض مفاصل العمل، وذلك لإيمانهم بأن الغاية تبرر الوسيلة، وأن خريج التخصص السياسي يعرف كيف ينفذ خططه وأهدافه، عكس الخريج الإداري الذي يضل طريقه وسط المكاتب البيروقراطية المغلقة، التي تحتاج لسياسة من نوع خاص لتفتح له أبوابها.