د. عبد الله حميد العتابي
شاع مصطلح الدولة العميقة في العراق في الآونة الاخيرة على ألسن الساسة والمحللين والاعلاميين والاكاديميين العراقيين حتى ان المنهاج الوزاري لحكومة السيد عادل عبد المهدي اشار بوضوح الى عدم القبول بالدولة العميقة ولا بالدول او الدويلات
خارج الدولة .
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا .هل الدولة العميقة مجرد مفهوم افتراضي يمكن ان نعزوه الى العقلية المهووسة بنظرية المؤامرة ؟ ام مصطلح يشير الى هيئات متجذرة ومؤثرة في الادارات المالية والامنية والعسكرية ؟ اعتقد المؤرخ المغربي الحسين الزاوي ان "مفهوم الدولة العميقة يشير الى الهيئات الموجودة داخل كيان الدولة ،واداراتها المختلفة التي تمتلك فعلياً وبشكل سري سلطة اتخاذ القرارات الحاسمة بمعزل عن التحولات الناتجة على مستوى المؤسسات التمثيلية التي تظهر في الواجهة ،مثل الحكومة والاحزاب السياسية .
وتكون تلك الهيئة داخل الدولة الاصلية بمثابة المكون السياسي الضيق والاكثر انغلاقا، ولكن في الوقت نفسه ،الاكثر نشاطاً وفاعلية ،ومن ثم الاكثر سرية داخل هرمية السلطة الحاكمة ". وفي السياق نفسه،حلل المفكر الاميركي كريك كراندن مصطلح الدولة العميقة باعتقاده انها هيئة سرية ذات طابع تآمري عميق في داخل جوف الدولة ،وقد تتألف من مراكز قوى ،او سلطة دينية ،او اجتماعية غير مرئية ،تعمل بالضد من تقدم البلد ورفعته وتجمد نموه وتطوره، تسرق خيراته بكل الطرق ،فتفرمل اطراد نهوض المجتمع ،والمفارقة ،هي عجز مؤسسات السلطة الحاكمة ،عن ايقاف الاضرار الجسيمة التي تكبدها تلك الهيئة والفشل في تحجيم نشاطها او حتى الاقلال من آثارها في الدول القوية
و الكبيرة.
وبالعودة الى موضوعة مقالنا فقد بدأت بوادر الدولة العميقة هناك ،جلية في خطاب الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور الوداعي للامة الاميركية في17 كانون الثاني 1961 اذ حذر من صعود ما اسماه المجمع العسكري الصناعي والذي كان هدفه هو التسلح الدائم ،ومن ثم توجد احتمالات لحصوله على نفوذ غير مبرر في اروقة الحكومة "وتوجت ممارسات الدولة العميقة هناك بحادث اغتيال الرئيس الاميركي الشاب جون كيندي ،اذ كانت وراء ذلك الاغتيال حين استشعرت بخطورة الرئيس عليها .
والمتابع لمسار العلاقات الاميركية الروسية سيجد عجز الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن اعطاء اي زخم لتلك العلاقات بسبب الدولة العميقة في الولايات المتحدة الاميركية وممارستها لضغوط هائلة ضد الرئيس واتهامات يمكن ان يخسر منصبه في ضوئها دفعته للتراجع عن تحسين تلك العلاقة ،او حتى التفكير في نموها .وهنا نستنتج ان نبوءة الرئيس ايزنهاور عام 1961 عن الدولة العميقة والتي اسماها المجمع العسكري –الصناعي قد تحققت بعد اكثر من 57 عاما .اذ ان اصحاب المصانع الحربية وصقور الحرب في اميركا قد تلاقت مصالحهم لخلق دولة عميقة تجعل من روسيا العدو الاول للولايات المتحدة الاميركية.