بسبب غياب أنظمة العزل الحراري..البيوت العراقيَّة.. بيئة جاذبة للأمراض

ريبورتاج 2021/01/06
...

   فجر محمد
اذا ما تسنت لك زيارة احدى الدول المتطورة، فعلى الارجح لن يلفت نظرك الاشكال الهندسية والمعمارية للمنازل هناك وحسب، بل وسيثير انتباهك عدم فقدان المباني والمنازل لحرارتها بسرعة كما هو الحال لدينا، ويعزى ذلك لوجود انظمة العزل الحراري، التي تتمتع بها هذه البنايات التي توفر بيئة صحية للعيش فيها وتعد هذه الالية من الشروط الصارمة للبناء هناك.
المهندس المعماري سمام سعيد الحاصل على شهادة الماجستير، أعد دراسة مستفيضة عن هذا الموضوع، وطرح تجارب متعددة لنظام العزل الحراري، الذي تتبعه الكثير من دول العالم المتقدمة ومن بينها دولة الامارات، ومن المثير للجدل ان هذه الآلية تغيب تماما في العراق، بالرغم من الاجواء البيئية المتطرفة في كثير من الاحيان.
 
الاحتفاظ بالحرارة
المهندس سمام يصف اغلب البيوت العراقية بالبيئة الجاذبة والمستقطبة للامراض، ويقول:
"نظرا لغياب الشروط الصحيحة في المباني والمنازل العراقية على عكس دول الجوار والعالم المتقدمة، فهذا ادى الى سرعة وسهولة فقدان درجة حرارة الغرفة، اذا ما انقطع التيار الكهربائي فيها، على عكس المباني التي تتمتع بنظام العزل، اذ تبقى محتفظة بالحرارة لفترة من الزمن".
 
وثيقة مهمة
إحدى المدونات الهندسية الالكترونية نشرت على موقعها وثيقة مهمة، أعدَّت من قبل وزارتي الاعمار والاسكان والتخطيط في العام 2013، ركزت على موضوعة العزل الحراري، التي تعد في الدول المتطورة من الشروط الصارمة لمنح اجازات البناء، ولكنها لم تلق الاصداء المناسبة واهملت ولم تنفذ، على الرغم من اهمية هذه الالية و قدرتها على الحد من تسرب الحرارة من خارج المبنى الى داخله صيفا وبالعكس شتاء، كما انه من شأن العزل الحراري ايضا ان يوفر ترشيدا في الطاقة الكهربائية، فضلا عن احتفاظ المبنى بالحرارة لفترة معينة، وايضا يقلل من استخدام اجهزة التكييف بنسبة كبيرة، وكذلك قدرة هذه الانظمة العالية على توفير الراحة بنسبة كبيرة للساكنين في المبنى.
تخفيض الحمل
تصدر شركات الكهرباء الرصينة في دول العالم بين الحين والآخر ادلة ارشادية للمستهلكين، وتفرد فقرات خاصة لتوضيح أهمية العزل الحراري، لكونه يقلل من تكلفة الطاقة ويخفض الحمل على شبكات توزيع الطاقة الكهربائية، بل بمقدوره أن يوظف الطاقة التشغيلية بصورة مثالية، ويقلل من عمليات الهدر الحاصلة في الكهرباء.
 
الاحتباس الحراري
لا يمكن إخفاء الكوارث البيئية التي عصفت بالكرة الارضية في الاعوام المنصرمة، فالثورة الصناعية افرزت مشكلات لا حصر لها، على الرغم من أنها والابتكارات والتكنولوجيا منحتنا اجهزة ومعدات لتسهل الحياة وصعوباتها، فلا يوجد منزل اليوم ولا مؤسسة لا تمتلك اجهزة تكييف.
 ويؤكد الخبير والناشط البيئي احمد صالح "ان اجهزة التكييف مصدر من مصادر انبعاث الغازات الدفيئة، التي تتسبب بالاحتباس الحراري، وبالتالي تؤثر في المناخ بشكل كبير، في حين من الممكن تقنين استخدامها ووضعها ضمن درجة حرارة معتدلة وهي 22 وبالتالي الانبعاث الحراري سيقل بشكل واضح".
 
مواد طبيعيَّة
تشير الدراسات العلمية الى وجود انواع مختلفة من مواد العزل، منها ما هو حيواني كالصوف وشعر الحيوانات، واخرى صناعية مثل المطاط والبلاستيك الرغوي، فضلا عن الصوف الزجاجي، الذي يعد من افضل الانواع المستخدمة في انظمة العزل الحراري، ولكن يميل ذوو الاختصاص اليوم الى استخدام المواد الصناعية، فضلا عن مادة الفلين الذي يلاحظ انه الاكثر استهلاكا في الدول ذات المناخ الحار، اذ يفضل استعماله بشكل كبير.
 
متطلبات الانسان
الخبير الهندسي والاكاديمي في كلية الرافدين الدكتور مقداد الجوادي أعدّ دراسة مهمة قبل ان توافيه المنية بعد أن خطفه وباء كورونا قبل فترة قصيرة، اذ كان بحثه يركز على كيفية توفير البيئة الداخلية للمباني بشكل يتناغم مع متطلبات الانسان الفيزيولوجية، خصوصا ان الدراسات العلمية بينت ان المشكلات والوعكات الصحية، التي يصاب بها الافراد في احيان كثيرة تعود الى الاجواء التي يعملون او يسكنون فيها، فضلا عن دراسة تأثير الاشعاع الشمسي في الهواء الداخل للمبنى، كما نبهت الدراسة على ضرورة الاهتمام بالشبابيك والتقليل من نفاذيتها، كي يكون هناك توازن بين الجانب الصحي والاداء الحراري الجيد.
 
كلف اقتصادية
هناك اعتقاد سائد أن توفير انظمة العزل الحراري في المباني والمنشآت الحيوية ذو كلف باهظة، في حين فندت التقارير الاقتصادية هذا الامر برمته، اذ تبين ان التكلفة ليست كما يعتقد.
الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي يشير الى "وجود انواع متنوعة من المواد العازلة بكلف اقتصادية مختلفة، فهناك دول تستهلك الصوف واخرى المطاط، فضلا عن الفلين، ويبقى اختيار المادة العازلة خاضعا لعدة شروط، من اهمها الظروف المناخية لاي منطقة، والبلاد اليوم بأمس الحاجة الى تغيير ثقافة البناء، فعوضا عن اختيار مواد بناء صلبة جدا مثل الاسمنت والطابوق واستبدالها بالخشب وغيرها، وبالتالي نضمن امتصاص الحرارة بشكل معتدل، وعدم فقدانها كليا بعد انقطاع التيار الكهربائي".
مواد جاهزة
ابتعدت اغلب دول العالم في الوقت الحاضر عن استخدام مواد البناء الصلبة والقاسية جدا، واستعاضت عنها بتلك الصديقة للبيئة ويذكر الدكتور ليث علي امثلة عن دول متعددة، منها ايطاليا وسوريا وغيرها من البلدان، التي أخذت بالابتعاد عن المواد التي قد تسبب الضرر لأجوائها المناخية، مبينا "ان انظمة العزل الحراري، اذا ما طبقت محليا فستكون فوائدها كبيرة جدا، وستنعكس على قطاعات البيئة والكهرباء، ومن التجارب الناجحة ايضا تصنيع مبانٍ وسقوف جاهزة، بمقدورها تقنين استهلاك الكهرباء بنسبة تصل الى 40 بالمئة، وثبت علميا ان هذا النوع من المباني يوفر اجواء صحية مناسبة".
 
النظام الايكولوجي
الباحث والناشط البيئي احمد صالح يبين ان "البيئة تضررت بشكل كبير من نشاطات الانسان في الخمسين عاما الماضية، اذ تأثر النظام الايكولوجي بشكل واضح وهذا انعكس على التنوع البيولوجي والمسطحات المائية والانهار، التي اخذت بالجفاف وبالتالي قل تساقط الامطار وزاد التصحر بالمقابل، فضلا عن الغازات الدفيئة التي أضرت بالبيئة".
 
ثقافة
الناشط البيئي احمد صالح يرى ضرورة نشر الثقافة البيئية وحث الافراد على استهلاك، كل ما هو صديق للبيئة والابتعاد عما يضرها ويؤثر سلبا فيها، وبالتالي ضرورة تشجيع انظمة العزل الحراري وتوفيرها في المباني والمؤسسات والمنازل كافة لتقليل درجات الحرارة التي قد تصل صيفا الى أكثر من نصف درجة الغليان.
ويشاطره الرأي الباحث الاقتصادي الدكتور ليث علي، الذي يحث على تصنيع المواد العازلة للحرارة داخل البلاد، ويؤكد وجود الامكانيات لنجاح هكذا نوع من المشاريع.