توقفت طويلا ازاء روايات قرأتها مؤخرا لروائيات عراقيات لم يسلط الضوء عليهن كما ينبغي له ان يفعل وهو في مواجهة نتاج مميز وقادر على اثبات حضوره الفاعل في المشهد الثقافي المحلي، دخلت في تأمل مكثف وانا أحلل البناء والمخطط العام لأعمالهن وأتساءل مع نفسي كيف يمكن للناقد العراقي او المؤسسة "الاحتفائية" الثقافية ان لا تلتفت لهذا الابداع الذي يستحق ان يأخذ مساحته من الاهتمام والاشادة لكون البناء العام لهذه الاعمال عملت في مناطق غير مألوفة سابقا واستطاعت تناول بؤر مهمة مجتمعيا ونفسيا وثقافيا وسحبت المتلقي الى الاصغاء لصوت المرأة بعيدا عن الزيف المجتمعي والوجه المبقع بالالوان.
الروائية "نادية الابرو" ورواية "ارواح من رمال " والروائية "ماجدة سلمان محمد" ورواية "الوسم".. كاتبتان مميزتان بالكثير، استخدمت "نادية " طريقة سردية بتقطيع خاص لم يسبقها اليه احد في طرح ثيمة العمل باسلوب يجبر المتلقي على تحليل كل عبارة يقرؤها ليتمكن من ربط الاحداث ببعضها ببراعة تحسب للكاتبة تماما. تنسج الرواية احداثها متنقلة بين سجون العراق الشهيرة في تاريخه المعاصر لتعكس لنا اصوات النساء داخلها وكيف يمكن لهن ان يقاومن أو ترفض ارواحهن الاذلال والظلم والظلمة ونهاية الرحيل الازلية.
فيما دخلت الكاتبة ماجدة في موضوع شائك مجتمعيا عن "البغاء" وهل يستطيع الاخرون ان يسامحوا من امتهنته أم تبقى تستلم حجر اللعنة ليسقط على جسدها طوال زمن توبتها!، ميزة العمل انه تناول فترة ما بعد العام 2003 بازماتها المتشعبة لكن لم يدخل ليجعل القتل والتشريد والارهاب بؤرة مستنسخة بل دخل الى الوجه الاخر لفقدان العائلة وهل يمكن لمن بقي حيا ان يكمل حياته بعيدا عن الاثار النفسية الضخمة التي يتسبب فيها رحيل احبته؟، وضمن ثنائية ادب الرسائل ليروي لنا ما جرى باسلوب شيق ومتوازن وفاعل
تماما.
جاء العملان باتقان احترافي لم يسمح بالملل ولا بمحاولة البحث عن استنساخ مشابه لرواية ربما مرت في الذاكرة وتركت احداثا قد نتمكن من ربطها هنا او هناك وهو ما قد يفعله بعض الكتاب مستفيدين من شخصيات ابطال تواجدوا في اعمال مهمة ليعيدوا انتاجها وتحويلها الى شخصيات محلية قد تمر بسهولة على قارئ غير مختص لكنها تسقط بسهولة في المقارنة مع متلقي متابع
ومتخصص ..
نحن ازاء روايات تجيد نسج اصوات ابطالها واحداث حياتهم دون ان تعيد لنا ما نعرفه وما يعرفه غيرنا من احداث ورسائل اعلامية ومقالات منشورة لا يمكن لها ان تكون هيكل رواية تتمتع بفنيتها بل يمكن لها ان تكون تقريرا يرتدي لغة ادبية لكنه ليس عملا روائيا يروي عرضا احداثا اعلامية.
الرواية بخير ما دامت في ايدي قادرة على التجدد، والاهتمام بهذه الاعمال سيوقف سيل الروايات الضعيفة والتي تملأ ارصفة المتنبي دون ان تجد من يبحث عنها او يعرفها أو يقف لقراءة
عناوينها!.