إسرائيل.. اللعبة أم اللاعب؟

آراء 2019/01/30
...

زيد شحاثة
 
تربينا نحن جيل القرن الماضي، على فكرة "قومجية" كما يحب منتقدوها أن يسموها، مفادها أن " الكيان الإسرائيلي" هو العدو الأول والدائم، وانه المتحكم بكل قضايا وشؤون العالم، من خلال سيطرته على كل جوانبه الاقتصادية والمالية والسياسية والإعلامية
 المهمة.
تداولنا بشكل عاطفي قصصاً، عن تحكم سري لعوائل يهودية بكل المال العالمي، وسيطرة أخرى على الإعلام بمعظم تفاصيله المهمة وصار أطفالنا يعرفون أسماء، كروتشيلد ومردوخ وغيرها كثير.. وصدقنا أن الكل يسعى لخدمة الدويلة الصغيرة "إسرائيل" وتحقيق هدفها  بدولة قومية لليهود.. فهل كل هذا صحيح؟!
من يقرأ عن تاريخ اليهود، بعقلية منفتحة وموضوعية، يرى عن قناعة أنهم تعرضوا لإبادات جماعية كثيرة وكبيرة، رغم ان بعضاً منها كان لهم دور في التسبب بها، من خلال مواقف مساندة لجهة دون أخرى في صراع يتعلق بالنفوذ أو نيل المكاسب، أو نزاع حول سلطة بين متنافسين.. ومن نالهم الجزء الأكبر من الأذى من اليهود هم الأبرياء، ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولم يكن لهم أصلاً موقف بأي
 قضية!
نجاحهم الأكبر، تمثل في تسويق تلك المظلوميات، والانتفاع منها في نيل مكاسب ومنافع، كبرى وستراتيجية، حققت لهم في النهاية وطناً، ودولة كانوا يحلمون بها، ويتداولونها في قصصهم وتراثهم جيلاً بعد جيل، ونجحوا في كسب حلفاء لهم، أقوياء ومتنفذين على مستوى خارطة العالم السياسية، بل وتحكموا في إرادات دول عظمى، كما نرى في أميركا مثالاً واضحاً لا لبس فيه.
هل ان الأذرع اليهودية هي فعلاً من تتحكم، بالإرادة الأميركية، ولو على سبيل الضغط والتلاعب؟ أم أن القضية "وهم" يستخدم للتغطية على اللاعب الحقيقي خلف هذه الستارة المزعومة؟!
هناك حقائق يجب قبولها لا من باب الاستسلام لها، وإنما لفهمها فنحسن التعامل معها، فاليهود أذكياء، أحسنوا التصرف حين فهموا مفاتيح لعبة الأمم، فابتعدوا عن الصفوف الأمامية للسلطة، وتراجعوا لمناطق الظل، حيث المال والثروة، فنجحوا في بناء ثروات طائلة من خلال العمل المصرفي، وإنشاء وإمتلاك المؤسسات الاقتصادية
 الرابحة. 
واكتفوا بكيان سياسي صغير في قلب العرب ليشغلوا به العالم، عن قوتهم الحقيقية المتنامية، التي نجحت في التحكم بدورة المال في العالم كله، وهي قبضة تتحكم بكل مفاصل
 الحياة.
فهموا دور الإعلام المتنامي فاتجهوا له.. سيطروا على كبريات الصحف والقنوات الإخبارية، وتحكموا في مفاصل مهمة لمنابر إعلامية أخرى، يسيرونها توافقاً مع مصالحهم، ومن لم تقبل السير في ركابهم، كان مصيرها الاضمحلال والاندثار.
فكرة تحكمهم بقرارات دول كبرى مثل أميركا، لتحقيق مصالح دولة إسرائيل، هي نصف كذبة.. فرغم ان إسرائيل دولة قومية لليهود، أو هكذا "سوقت" حتى لليهود أنفسهم، لكن حقيقة الأمور تتعلق بالمال والمصالح لا أكثر، وأما الحديث عن الهدف القومي والديني، فهذه أكذوبة مطلقة، فالمال والمصالح لا دين لهما، وهما مع السلطة والهيمنة والتحكم وهدفهم واحد، هو المزيد من المال والثروة والتحكم، في دورة لن تنتهي، ما زال الإنسان
 موجوداً.
حكاية سيطرة اليهود على العالم، شماعة أو قناع تحاول دول، كأميركا وأوروبا وحتى اليهود  أنفسهم ربما الاختباء خلفه، لتحقيق مصالحهم المادية، لكننا نحن العرب، نصدق هذا الوهم، لأننا نحتاج لمبرر لنقنع أنفسنا، أن فشلنا وتراجعنا  وتفاعلنا مع مختلف القضايا، سببه أن عدونا أقوى منا ويتحكم بالعالم.. ولم نفكر، كيف نغير هذا العالم أو في الأقل نغير
 أنفسنا.