الاقتصاد وخيار الذهاب إلى الحرب..

آراء 2019/01/30
...

علي حسن الفواز
 
حديث القرية 
العولمية الذي اقترحه ماكلوهان يصلح لان يكون مدخلا للحديث عن التأثيرات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية التي يواجهها عديد من دول العالم، بوصف أن هذا العالم بات يواجه اخطارا مشتركة، وتحديات تتقارب الى حدٍ كبير، وبقطع النظر عن الخصوصيات القومية فإن ما يجري اليوم من صراع كوني قطبه الفاعل الولايات المتحدة، يدفع باتجاه أن يتحول هذا الصراع الى حربٍ مفتوحة، حرب الاقتصادات والاسواق والمصالح والسيادات الافتراضية..

مايجري في فنزويلا مثلا، ليس بعيدا عن مايجري في سوريا، أو في اليمن، وهذا ليس بحساب التوصيف العمومي، بل بخطورة تأثير هذا الحدث عن المواقف السياسية التي تتبناها هذه الدولة أو تلك، فالولايات المتحدة تنظر لحلفائها بوصفهم تابعين وليسوا شركاء، ولا يحق لأية دولة أن تمارس حقها بالاختيار، أو الانحياز الى جهةٍ ما دون مراعاة شرط التابعية، وهذا مايجعل كثيرا من دول اوروبا واميركا اللاتينية و(اسرائيل) وبعض الدول العربية تنحاز- بحكم مصالحها- الى الخيار الاميركي  لمعاقبة نظام مادورو، بوصفه نظاما(يساريا) وثوريا، وخارجا عن(النسق الاميركي)
ماحدث ليس جديدا في دول اميركا اللاتينية، فمنذ اغتيال تشي جيفارا من قبل المخابرات الاميركية في ادغال بوليفيا، والى الانقلاب الفاشي الذي حدث في تشيلي والاطاحة بالنظام الديمقراطي لسلفادور الليندي وبدعم من المخابرات الاميركية، فإن الولايات المتحدة مازالت تواصل لعبة فرض التابعية، والعمل على مواجهة كل الانظمة السياسية التي تجاهر بخياراتها المناقضة للمصالح الاميركية..
لو لم تكن فنزويلا بلدا نفطيا، لما واجهت مثل هذه الاحداث، ولما وجد اليسار البوليفاري بنسختيه عند شافيز الراحل، ومادورو الحاضر هذا الهجوم الناعم والخشن من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، إذ اضحى موضوع السيطرة على الاقتصادات النشطة خطابا سياسيا معلنا، والحصار الاقتصادي والجغرافي واقعا بعد قرار دول جماعة( البيرو) بموقفهم المناقض لنتائج الانتخابات الاخيرة في فنزويلا، والتي تمخضت عن فوز مادورو، وفشل جماعة اليمين، وهو مادفع رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية ذو النزعة الامريكية المعروفة الى الاعلان عن رفضه للنتائج، والدعوة لتنصيبه رئيسا مؤقتا لفنزويلا، تمهيدا لانتخابات جديدة، لها حساباتها ايضا، والتي ستكون مقدمة للاطاحة بالحكم اليساري في
 فنزويلا..
الخروج الفنزويلي عن التابعية الاميركية هو درس سياسي للحديث عن نزعات الاستقلال عند كثيرٍ من الدول، حيث تبدو بعض ملامحه واضحة اليوم في منطقتنا العربية، حيث تواجه الدول الباحثة عن استقلالها ظروفا سياسية واقتصادية وامنية صعبة، تضيق معها فرص ممارسة الحق السيادي والانتعاش الاقتصادي، مقابل خضوعها الى سلسلة من العقوبات والحصارات، والمشكلات التي تهدد امنها الاجتماعي
 والاقتصادي..
إنّ العلاقة مابين التابعية ورفضها يشكّل ثنائية(سسيوسياسية) في تأطير مفهوم التابعية، ومفهوم رفضها، والتعبير عن هذا الرفض من خلال جملة من المواقف الفاعلة، والسياسات التي تملك طاقة المواجهة، وفاعلية حماية بنيتها الداخلية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من الخروقات الناعمة، من التحديات الدولية، والاقليمية، والتي تملك جيوشا الكترونية واعلامية كبيرة، لها فاعليتها في التأثير على الرأي العام، وحتى على المزاج الدولي الذي تملك الولايات المتحدة تأثيرا ضاغطا على توجيه كثيرٍ من سياساته المعلنة، على مستوى المواقف الاقليمية، او على مستوى صناعة(الحصارات) الاقتصادية والسياسية، فضلا عن تأثيرها في المنظومة الدولية، لاسيما في مجلس الامن
 الدولي..
العالم اليوم ليس هو عالم(الحرب الباردة) وروسيا اليوم ليست(الاتحاد السوفيتي السابق) وهذا المعطى في توصيف المتغيرات الدولية يجعل الولايات المتحدة أكثر حذرا في التعاطي مع المشكلات والصراعات الدولية، فالدخول الاميركي في افغانستان قد انتهى بالفشل بعد الدعوة لمفاوضات علنية مع طالبان المُصنفة دوليا بالارهاب، كما أنّ الانسحاب الاميركي من سوريا يؤشر في جانب كبير من جوانبه بالفشل، فضلا عن الضغط الاميركي على فرض حلول للسلام في اليمن من خلال مباحثات استكهولم، وغيرها من الاحداث التي تدخل في صياغة وجود مختلف للولايات المتحدة ولنمط تفكيرها، لكن هذا لا يعني تخليها من سياسات الهيمنة، لاسيما الاقتصادية، حيث تجد الولايات المتحدة نفسها كاكبر بلد اقتصادي، وعلى الجميع ان يدرك هذه الحقيقة، وبخلافها فإن من يبحث عن(الاستقلال) سيجد نفسه أمام وجهٍ آخر للجحيم..
وفنزويلا وايران وسوريا وروسيا هي الدول التي تبحث عن حلول (لا أميركية) لمشاكلها الاقتصادية والامنية، وتتبنى مواقف وسياسات ذات مسار يعبّر عن نوع من التحالفات السياسية الجديدة، وهو ما يُثير حفيظة الولايات المتحدة، ويجعلها مهددة بنوع من الحرب الباردة، أو حرب العملات، وحرب الاسواق والضرائب كما يحدث مع الصين، أو مع كندا وبعض دول اوروبا..