بعد عام 2003 أصبحنا نواجه جهداً روائياً غير مسبوق على مستوى الإصدار والنقد، وفي كلا الحالين نلمس الدلالة التي تُشير إلى قوّة نمو وتطوّر الإبداع العراقي. في الإصدار كان الكمُّ لافتاً، وطبيعي أن يكون النوع عمقاً لهذا الكم. ومثل هذا التوصيف ينطبق على جميع الأشكال والأنماط الإبداعية الأُخرى.
مايستوقف المُتابع، قارئاً عاديّاً كان أم جادّاً، أنَّ النقد الروائي على الأعم، قد مالَ كثيراً إلى الإعادة والشرح، إعادة وشرح أحداث ووقائع الروايات، وكأنَّ الناقد يستنسخ ويُعيد انتاج هذه الروايات، مما جعل القارئ في موقف الاستغناء عن مطالعتها بعد أن توافر على الخُلاصة الجاهزة من قبل الناقد.
وهكذا لم نعُد نطّلع على نقد يتفحص ويناقش عناصر فنيّة وجماليات مثل: اللغة، البناء، التقنيات الفنية، الرمز، الدلالة الفكرية، الزمن، المكان ودلالته، مرجعيات الإحالة التاريخية، الصوت الآخر، العلاقة والتفاعل مع تطوّر وتحوّلات الفن الروائي في العالم، تحليل الشخصيات، أحكام الاستهلال والختام (كيف تبدأ الرواية وكيف تنتهي ..؟؟)..، أساليب الروي، الحوارات الداخلية، البُعد النفسي، الرواة والراوي العليم، ثقافة الروائي ووعيه، الإسقاط السياسي والآيديولوجي في مضمون الرواية،.. الخ.
إنَّ معظم النقد الروائي الآن في مشهد النقدية العراقية يعود إلى الطبيعة الانطباعية والحس الذوقي والتذوقي المتدافع بإنشائية استطرادية. وهنا لابدَّ من استثناء بعض النقودات التي تتقدم بوضوح حاملةً منهجها أو مناهجها المتداخلة، وعمق اطلاع وتفاعل أصحابها مع الفن الروائي وتحوّلاته، عراقياً وعربياً وعالمياً.
إنَّ سعة الإنتاج الروائي العراقي بعد عام 2003 ربما أربك الحساسية النقدية نتيجة هذه السعة، وأصبحت المتابعة التي تطمح بأن تُحيط بكامل هذا الإنتاج في موقف المرور السريع. كما أصبح التشابه في أساليب الكتابة النقدية عند معظم النقّاد واضحاً إلى الدرجة التي يصعب فيها الفرز والتمييز بين هذه الأساليب.
ومن اللافت أيضاً، هذه العُجالة في الكتابة النقدية، فما أن تصدر رواية ما، حتى نجد الكتابات عنها قد أخذت طريقها إلى النشر في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي أو يجري الحديث عنها في الندوات والنشاطات الأدبية والثقافية، والرواية لم يمض على صدورها سوى أيام معدودة، لم تأخذ بعد فيها طريقها إلى التداول والانتشار، ولم يتضح القصد من هذه العُجالة إلّا إذا ذهب بنا الظّن إلى ماهو غير أدبي وثقافي. كما لايصح التغافل – بفعل هذه العُجالة- عن أعمال روائية عراقية متميزة بفرادتها، مما يتطلب وقفات نقدية فاحصة متأنيّة تُشير إلى النوع ضمن الكم
المتحقق.
وفي المفتتح الأخير، وبالضد من العُجالة، لا بدَّ من التأكيد، أنَّ أعمالاً روائية عالمية قد صدرت منذ عقود، والنقد لم يُلاحقْها بكل معرفياته وتوصّلاته إلّا بعد حين، ومازالت الكتابات النقدية عنها مستمرة حتى يومنا هذا. من هنا، وضمن هذه الحقيقة التاريخية يتحتم الانتباه لما يحصل في مشهد النقد الروائي العراقي كي نضمن تحوّلات جديدة نلمس فيها التجاوز والتخطّي، وأن تقف بموازاة مع ما يحصل، عربياً
وعالمياً.