لم يحظَ اي مشروع قانون عُرض على البرلمان لغرض مناقشته واقراره كما حظي مشروع قانون الموازنة الاتحادية للدولة العراقية لسنة 2019 ، فلا يزال الجدل حامي الوطيس حتى بعد اقرارها واستمر هذا الحال هكذا منذ سنة 2014 وهي سنة التحدي العسير بسبب الاجتياح الداعشي للبلاد، والتحدي الثاني هو زوال البحبوحة المادية التي كان يغدقها الاقتصاد الريعي من وجود ارقام عالية للصادرات النفطية
والتي كانت توفر للعراق موازنات " انفجارية" وبعد سنة 2014 تغير هذا الوضع تماما فلم تعد هنالك موازنات انفجارية بسبب التذبذب في اسعار النفط الذي تعتمد الموازنات على مناسيب اسعاره في السوق
العالمية.
ومدار الجدل في الموازنة لايخرج عن نطاق الاحزاب والكتل السياسية يضاف اليه ممثلو البرلمان انفسهم زائدا اعضاء مجالس المحافظات والمحافظون، فالبعض وصف الموازنة بأنها الاسوأ و"المخيبة " للآمال والصادمة لعموم العراقيين، والبعض سماها بموازنة الحد الادنى كونها بحسب توصيفه لاتلبي سوى جزء بسيط من متطلبات محافظته كالموصل التي كانت مرتكز الحرب الضروس ضد داعش واصابها دمار هائل، فيما عدّها اخرون بأنها موازنة مجحفة ظلمت الكثير من المناطق على حساب مناطق اخرى، والبعض قال عنها انها موازنة مليئة بالألغام التي ستنفجر وتعيد التوتر المزمن على سبيل المثال مابين المركز واقليم كردستان كونها ابقت نسبة 12% التي تم اقرارها في الموازنة السابقة اي بقيت المشكلة كما هي ، وبعض مسؤولي محافظات الجنوب التي شهدت مظاهرات عارمة الصيف الماضي توقعوا عودة تلك المظاهرات بسبب (شحة) التخصيصات المالية لمناطقهم وقالوا عنها انها دون الطموح ولم تختلف عن سابقاتها في المحرومية والغبن وعدم التمحيص في متطلبات هذه المحافظات او مراعاة
خصوصيتها .
وبالاجمال لم يوجد احد اشاد بالموازنة او قنع بها مراعاةً لظروف البلد البعيدة عن المثالية والكمال او نظرا لواقع الحال، فالقليل جدا اثنوا على اقرار الموازنة مركزين على اهم الايجابيات فيها والبعض القليل جدا وصفوها بالمثالية، وانها لم تخلُ من الايجابية المريحة كونها قامت بإلغاء القروض الخارجية والاكتفاء بالداخلية منها وتحويل اصحاب الاجور اليومية الى عقود وهذه بادرة توحي بالأمل للخريجين في المستقبل، رغم انها جاءت ب 106 ترليونات دينار، معتمدة في القسم الأكبر من إيراداتها على تصدير النفط الخام وبسعر ثابت قدر بـ(56) دولارا للبرميل مع معدل تصدير بلغ أكثر من 3 ملايين و800 ألف ب/ي، منها 250 ألف ب / ي عن طريق كردست ان.
كما نصت الموازنة أيضاً على أنّ "العجز المالي ستتم تغطيته من الوفرة المالية المتحققة من زيادة أسعار النفط الخام، أو زيادة صادرات النفط خلال 2019".
ولم تنفرد موازنة 2019 عن سابقاتها من كونها بقيت موازنة تشغيلية ايضا في اغلب ابواب الصرف مع ضمور الجانب الاستثماري فيها، وانها مازالت تعتمد اعتمادا شبه كلي على الريع النفطي وانحسار بقية الموارد الاقتصادية الداخلة فيها فجاءت نسخة معدّلة عن الموازنات السابقة اي أن 75 %من الموازنة هي تشغيلية، و23 %منها استثمارية ، فيما خلت من الدرجات الوظيفية بحسب اشتراطات صندوق النقد الدولي على العراق ، وهنا يكمن سبب الجدل المستعر بين السياسيين حولها وهو امر معتاد عليه في كل موسم تشريعي تطرح فيه الموازنة للإقرار فلم ياتِ هذا الموسم بجديد سوى استشراء حالة التذمر والشكوى وعدم الرضا الجماعي والاحساس بالغبن وكأن الموازنة قد صممت ضدهم تعمدا .
وارى ان الكرة هي في ملعب وزارة المالية والمالية النيابية في عدم استثمارهما لوسائل الاعلام الرصينة في توضيح ماهية الاقتصاد العراقي وتأثير الريعية فيه ووجوب تعظيم وتنويع وطبيعة الموارد الاقتصادية الاخرى الداخلة في الموازنة وان الريع النفطي لم يعد كافيا للصرف مع فتح المجال امام القطاع الخاص وتقليص دائرة الروتين الحكومي الطارد للاستثمارات الخارجية، وعلى وزارة المالية المعنية الاولى بالموازنة ان تقوم بشرح تفصيلي لمستحقات المحافظات واقليم كردستان وبقية المناطق خاصة المشمولة بالبترودلار او البترو زائر، واستحقاقات الوزارات والمناطق خاصة المنكوبة منها والتي تعاني من محرومية شديدة ، اي تضع النقاط على الحروف امام الراي العام لتكون الصورة واضحة للجميع سواء أ كانوا سياسيين ام رجل الشارع بدلا من حالة الغموض التي مازالت تلف الموضوع وكل سياسي يفسر الامر حسب
مزاجه.