ضرورة التجديد في أساليب الوعظ

آراء 2019/02/02
...

حسين الصدر 
 
- 1 -
الصيغ التقليدية الموروثة في الوعظ والارشاد، قد لا تجدي نفعا مع أبناء هذا الجيل، ذلك أنَّ لكل جيل من الاجيال مواضعاتِه الاجتماعية وأعرافُه وبالتالي فما كان يصلح للجيل القديم لا يصلح بالضرورة للجيل المعاصر .
- 2 -
والوعظ انما يكون بترقيق القلوب، والتحذير البليغ من عواقب الذنوب، لا بالتركيز على ما هو مساوق للتعجيز ..!!
- 3 -
وقد روى ان رجلاً قال للرسول (ص): عظني، فقرأ (ص) عليه قوله تعالى :
" فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يَرَه ، ومَنْ يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره" 
الزلزلة 7 – 8 
فقال الرجل:
حسبي حسبي.
ما أروع موعظتَكَ يا رسول الله 
لقد اخترت آيتين من كتاب الله نفذتا الى قلب الرجل وهزّتاه في الصميم.
إن ذرةً من الشرّ لا تسقط من الحساب في ميزان العدل الالهي، فكيف باقتراف المعاصي الكبيرة والذنوب الخطيرة ؟
انّ الرجل بدأ يحسب لكل عمل حسابه ويخشى إنْ أساء عقابَه.
وهذا القانون الالهي في الحساب صارم للغاية، لا يقبل استثناءً على الاطلاق.
وفي هذا من قوّة الردع ما يكفي لمن كان له عقل سليم..!!
والى جانب التحذير من المعاصي، يبرز جانب التشويق والتحفيز على المبادرة الى اصطناع المعروف والخير والبر والاحسان، ولا يلزم أنْ يكون ذلك كله عبر إنفاق المال، فالاسلام يعتبر تبسمَك بوجه أخيك صدقة ، فهل تعجز عن الابتسام؟!
- 4 -
والشاعر حينما يقول:
سئمتُ كلَّ قديمٍ
عرفتُه في حياتي 
إنْ كان عندك شيءٌ 
من الجديد فهاتِ
لا يُريد إلغاء النصوص المقدّسة، فهذا هو الكفر الصريح، ولا يريد إسدال الستار على روائع الحِكَم والتراث 
فهذا مرفوض،
وانما يريد الاشارة الى أهمية تقديم الجديد المُخضّل بالطراوة والنضارة وضمن أُطر جديدة في العَرْض والاداء.
وهذا أمر لاغبار عليه، حيث ان اجترار الكلمات المحترقة واعادتها حينا بعد حين، يُفشلُ مهمة الوعّاظ في تحقيق أهدافهم النبيلة في الهداية والارشاد والاصلاح. 
ان الانسان ابن عصره – كما يقال – وهو شديد التطلع الى مواكبة هذا العصر، فلا يصح أنْ يُخاطب بأساليب بالية لا تحرّك أوتار قلبهِ ، ولا تُثير فيه اشتهاء الاستجابة لما تضمنه الخطاب.
- 5 -
الواعظ مُصلحٌ والتعامل الاجتماعي مع (المصلحين) يختلف كليا – عن التعامل مع (الصالحين) .
وهذه احدى المفارقات المهمة في هذا الباب.
الصالح هَمّهُ نفسهُ ، والناس منه في راحة...
أما المُصلح فهمُّه الأمة، وهو يحمل هموم التغيير للواقع الفاسد، ومن هنا فهو لا يمشي في طريق مفروش بالورود والرياحين، وانما يمشي في طريقٍ وعرٍ كثير الألغام ..!!
وهذا ما يضفي على مهمة الوُعّاظ عبئا إضافيا..
- 6 -
والواعظ المتمرس لابد من ان يلاحظ مقتضى الحال وعلى ضوء ذلك يبدأ مشوار وَعْظِهِ 
أليست البلاغة مطابقة مقتضى الحال؟
- 7 -
ولكي تقف على شيءٍ من المواعظ المُمِلة، ننقل لك هذه القصة:
قال أحد الوعّاظ لصاحبه:
مالي أراك حزيناً، 
قال:
كان عندي يتيم أربيه لأوجر فيه فمات، 
فانقطع عنا أجرُه...
فقال له الواعظ:
اخترْ يتيماً آخرَ يقوم لك مقام الاول 
قال: أخاف أن لا أصيب يتيما في سوء خُلُقِه 
قال له الواعظ:
لو كنتُ في موضعك منه لما ذكرتُ ذلك..!!
لقد سدّ الواعظ على الرجل المحسن حتى أبواب الحديث، فكيف يؤمل منه التفاعل مع مواعظه.
وكان عليه أنْ يُثني على الرجل الذي تَحَمّل من سوء خلق اليتيم المتوفى ما تحمّل ويبين له... أنَّ كفالة اليتيم هي عمل يستحق معه الثواب الجزيل وليس كفالة اليتيم سيئ الخلق.
هذا غيض من فيض والحديث ذو شجون.