تحالف «الميت} مع من وضد من ؟

آراء 2019/02/03
...

حازم مبيضين

يطرح الاجتماع السداسي، بحضور وزراء خارجية السعودية والكويت والإمارات ومصر والبحرين والأردن، الذي انعقد في البحر الميت الخميس الماضي، العديد من الأسئلة، خصوصا وأنه انعقد بدون جدول أعمال، وانفض بغير بيان ختامي، غير إعلان أردني مقتضب قال إن الاجتماع كان مثمراً وإيجابياً، وبحث جميع القضايا المشتركة وأزمات المنطقة، وعلى رأسها الازمة السورية

والمثير للتساؤل هنا أن هذا البيان لم يتطرق الى الموقف من القضية الفلسطينية، مع أن العاهل الأردني استبق اللقاء، ليؤكد للوزراء بشكل خاص ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، وبما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويحدثهم بالمناسبة عن أهمية التنسيق المشترك حيال مختلف القضايا والأزمات التي تواجه المنطقة، وبما يعزز العمل العربي المشترك، ويخدم مصالح الدول العربية وشعوبها.
تباينت المواضيع المطروحة في الاجتماع وهو الأول عربيا في 2019 ، لكنها تمحورت حول تحديد رؤية وستراتجية، لإعادة بعث العمل العربي المشترك، وبدء عملية إعادة ترتيب البيت العربي من 
جديد. 
ويبدو أن ذلك مؤشر على ولادة محور جديد يستثني "الجامعة العربية" من جهد يفترض أن تقوده، خصوصا عند بحث ما يوصف بالتهديدات الموجهة للأمن القومي العربي من جانب تركيا وإيران وخططهما للتدخل في الشؤون الداخلية للجوار. والواضح أن مصر طرحت ملف الإرهاب في جنوب سيناء، وملف القضية الفلسطينية، وتحديداً سيطرة حماس على قطاع غزة، وبديهي أن الأردن كان مهتما بطرح مسألة صفقة القرن، والدور العربي بعد الإعلان المرتقب عنها، بينما اهتم آخرون بملف "الناتو العربي"، الذي طرحه وزير الخارجية الأميركي وجدواه وتأثيراته في الدول العربية ودول الجوار "تركيا وإيران وإسرائيل"، حيث يتشكل ذلك التحالف، من دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر والأردن، والمدهش أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بدون الفلسطينيين، ما يدعو للشك بأن وراء الأكمة ما وراءها. 
ثمة سؤال عن ملاءمة الاجتماع لأجندة المصالح الأردنیة، فعمان تستشعر قلقاً عميقاً، يرتبط بتحركات واشنطن وخططها في المنطقة، أكثر من أي ضغوط اقلیمیة عربیة، والأردن یرتبط بملفین أساسیین، هما التسویة السیاسیة وعودة سوریا إلى المجال العربي، فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة لا یرید الأردن أن تستمر دول عربیة بالتطبیع المجاني مع إسرائیل، بدون اثمان حقیقیة توضع على طاولة المفاوضات، بعد أن توصل الأردن إلى قناعة، أنه لا توجد لدى واشنطن ستراتیجیة واضحة نحو التسویة السیاسیة، وكل ما یحدث الیوم هو المزید من الاستخدام المفرط للملف الإیراني، وإعادة بناء خریطة مصادر التهدید نحو إیران، وإدخال إسرائیل في هذا الاصطفاف، وهو ما یزید من تهمیش القضیة الفلسطینیة، كما أنه بات أكثر وضوحا فیما یتعلق بعودة سوریا إلى الجامعة العربیة، والواضح أن الاجتماع ترك للدول الست حریة الحركة في هذا الملف، وترك الباب مفتوحاً أمام دعوة دمشق لمؤتمر القمة العربیة المنوي عقده في تونس الشهر المقبل.
ليس سرا أن اجتماع البحر الميت، یأتي في سیاق التحضیر للاجتماع الذي يستهدف إيران، ودعت إلیه واشنطن وسیعقد في وارسو الشهر الحالي، والمفارقة أن إسرائیل ستكون ممثلة فيه، وكأنها لا تشكل أي تهدید للعمق العربي وللأردن على وجه التحدید. والواضح أن سياسات المجتمعين لا یمكن أن تتفق على أولویات مصادر التهدید، والأهم أنها لا تتفق على هویة العدو الستراتیجي، فعمان تعتقد بأن التركیز على إیران بدلاً من إسرائیل، إنما یشكل تشتیتاً سیلحق ضررا بالأمن الوطني الأردني. 
وهو یأتي وفقاً لرؤیة إسرائیلیة تهدف إلى استبدال العدو، وهنا تتحول إیران إلى عدو ستراتیجي ینبغي محاربته، ولو تطلب الأمر التعاون والتطبیع مع إسرائیل. هنا يجب السؤال إن كانت الحكومة الأردنیة تعي حقیقة الأبعاد الستراتیجیة، للانسیاق في أي جهد یضع إسرائیل في وضع، وكأنها تقود من الخلف تحالفاً عربیاً یستهدف إیران، في حین تستمر هي في خلق وقائع على الأرض 
لمصلحتها.
وبعد، فاننا ونحن نعترف بخطر السياسات الإيرانية، وتحسس بعض العواصم العربية منها على أسس طائفية، يجب أن نتذكر خطورة السياسات التركية، وقبل ذلك السياسات الإسرائيلية التي تقف حائلاً دون تنفيذ حل الدولتين، المدعوم فلسطينياً وعربياً، وإدراك أن عدم تنبه كثيرين من المتحمسین لتحالف عربي یضم إسرائیل، أن هناك انقساما داخل أمیركا بخصوص إیران، خاصة إذا ما ضعف الرئیس الأمیركي نتيجة خلافاته مع الكونجرس في الأشهر القادمة. ما يطرح سؤالا عن الفائدة من الانخراط في تحالف، لايستهدف أولاً وعاشراً دحر الاحتلال الإسرائیلي ودولة الاحتلال، التي تعد مصدراً لتهدید الأمن القومي العربي، وما یزال احتلالها جاثماً على صدور الفلسطینیین، وسيكون ذلك انقاذا لفلسطین والأردن في آن معاً، خصوصاً وأن العداء السافر لإيران ليس أكثر من مكسب لإسرائيل التي ستحاول استغلاله، لفرض رؤیتها في حل الصراع مع الفلسطينيين، ودفن القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد.