السمنت الثقافي لبناء الدولة الحديثة

آراء 2021/02/14
...

 أ.د عامر حسن فياض

يرى موريس ديفرجيه ان الثقافة السياسية جزء من الثقافة السائدة في مجتمع معين، غير انها بمجموع عناصرها تكون تركيباً منظماً ينطوي على طبيعة سياسية، ويتأكد معنى الثقافة السياسية على مستويين: مستوى الفرد ومستوى النظام، فعندما نركز الاهتمام على الفرد فإن بؤرة الثقافة السياسية تصبح نفسية في جوهرها وينصب ذلك على كل الطرق المهمة، التي يتوجه الفرد بها ذاتياً نحو العناصر الاساسية في نظامه السياسي، اي كيف يشعر الفرد وكيف يفكر بالرمز والمؤسسات والقواعد، التي تشكل النظام السياسي في مجتمع ما؟ وكيف يستجيب؟ ومن ناحية أخرى ماهي الروابط بينه وبين المقومات السياسية لنظامه السياسي، وكيف تؤثر هذه الروابط في سلوكه؟ وهذه المعاني للثقافة السياسية بهذا المستوى تدل على نزوع سلوكي فردي او جماعي ازاء النظام السياسي، في حين الثقافة السياسية تنطوي على مجموعة من القيم والمعتقدات والعواطف، وفي هذا الصدد يرى (غابريل الموند وسدني فربا) الثقافة المدنية وعلاقتها بالاتجاهات السياسية والديمقراطية في خمس أمم، حيث ان الثقافة السياسية تتكون عندهما من عناصر ادراكية هي المعرفة، وعناصر عاطفية هي العواطف، وعناصر تقييمية هي القيم.
والثقافة السياسية هي، في وقت واحد، كل ما نعرف وكل ما نشعر وكل ما نعتقد بشأن السياسة، بيد ان هذا التحديد عام جداً، بحيث ينطوي على كل توجه يتعلق بالسياسة. ولذلك فإن هناك من يقصر الثقافة السياسية فقط على التوجهات نحو المؤسسات السياسية الوطنية، اي توجهات الناس ازاء السلطة القائمة والنظام السياسي القائم، اعتماداً على قيم ومعتقدات شائعة تستمد من اطار ثقافي موروث او وافد.
وانطلاقاً من ذلك نجد انفسنا امام ثلاثة انواع من الثقافات السياسية، تقسم بناء على مستويات تطور المجتمعات كما عرضها عالم الاجتماع الالماني (ماكس فيبر) وهي الثقافة القديمة، وثقافة الخضوع، والثقافة المساهمة.
ان الانواع الثلاثة المذكورة من الثقافة السياسية، تنسجم كل واحدة منها مع بنية سياسية موصوفة كما يرى (الموند وفربا). فالثقافة القديمة تنسجم مع بنى سياسية تقليدية غير ممركزة، بينما تتلاءم ثقافة الخضوع مع بنية سياسية سلطوية ممركزة، واخيراً تتلاءم ثقافة المساهمة مع بنية سياسية ديمقراطية.
والجدير بالذكر ان هذه الانواع الثلاثة من الثقافات لا توجد بصورة خالصة ومستقلة عن بعضها في المجتمع، بل هي متداخلة في ما بينها، ولكن قد تبدو واحدة منها مهيمنة او قد تبدو بعضها متعايشة مع البعض الاخر حسب المستويات الثقافية والحضارية للسكان في المجتمع، وتلك المستويات لا تنفصل عن مستويات التطور العام الذي يعيشه المجتمع.
اخيراً، وبقدر تعلق الامر بطموحنا لبناء دولة بمعنى الكلمة ، فاننا احوج ما نكون الى ثقافة المساهمة بوصفها الاسمنت الثقافي غير المغشوش لبناء دولة العراق الحديث ودونها من ثقافات اخرى ستكون المعول، الذي يهدم كل عملية بناء حقيقي لدولة ديمقراطية حديثة منشودة.