قصّ المعدة أم قصّ الوهم؟

ثقافة 2021/03/15
...

ابتهال بليبل 
لا بد أن أعترف أولا أن الجرّاح الذي يجري عمليّة لقص معدة أو ترميم ملامح وجه لسيدة تحتاج أو ترغب بذلك أشبه بمن يأتي بمعجزة إذ إن الكثير من النساء لم تسعفهن الحميات ولا المنحفات ولا حتى ارتداء المشدات المزعجة أو غيرها من مستحضرات التجميل لحل معضلة عدم رضاهنّ عن أشكالهن مما يفقدهن الثقة بأنفسهنّ ويزعزع احترامهن لذواتهن. 
بالطبع أنا هنا لا أشجع أبدا على الخضوع بهذا النوع من العمليات، أنا فقط أفكر بصوت عالٍ في احتياجات النساء اللواتي قد تكون تقنيات الجراحة التجميلية مفيدة بالنسبة لهنّ، أفكر فيها بطريقة واقعية جدا كامرأة تفهم نفسها وتعي فداحة أن ترفض الأنثى ذاتها أو لا تتقبّل شكلها وأفكر أيضا بمن يعارض تلك العمليات بوصفها-أي المعارضة- هنا وسيلة "للقمع" لا "خطاب" محاور يحاول بناء تفاهم وتناغم.
لقد قرأت وسمعت مرارا وتكرارا في الشارع والمدرسة والجامعة والعمل ومن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة من نساء يعتبرن الجراحة التجميلية وصمة معيبة ويركزن على فكرة مقاومة ورفض الطرق التي يتم عبرها بناء الجمال الأنثوي. 
والغريب أن هؤلاء ممن لا يتقبّلن غيرهن ممن كن قد خضعن لجراحة تجميلية يلجأن إلى العنف اللغوي الذي قد يصل إلى الابتذال والإهانة وربما إلى تشويه السمعة الأخلاقية والعقلية، وكأنهن ينتجن من دون وعي وقصد الفالوغوسنتري (وهو نوع من التفكير الذكوري يقوض تقبل النساء لوجود اختلافات بين بعضهنّ البعض حتى لا يتمكنن من مقاومة ما يفرض عليهن). كما ترى نسويات الموجة الثالثة وتنظيرات ما بعد الحداثة.
وفي مواجهة صرامة لهذا الأنموذج المعارض للتجميل الجراحي نحتاج إلى فهم وتفهم للقيم المرتبطة بقبول كل واحدة منهن لنفسها وطريقة رضاها عن ذاتها. ونحتاج أيضا إلى فهم الآليات التي دعتهن للاشتراك بهذا الخطاب الاشكالي، كذلك لابد من معرفة كيف ترى هؤلاء النساء أنفسهن فيما يتعلق بنظرتهنّ إلى الجمال المثالي؟.
إنّ النظر إلى الجراحة التجميلية، بوصفها عملية طبيّة خالصة لإعادة تكوين الجسم الأنثوي بمشرط جرّاح، غير مجدٍ بالنسبة لكثيرات يعتبرن - أي الجراحة التجميلية- مجموعة من مفاهيم وممارسات ترتبط بالتعاريف الثقافية للجسم والبناء الاجتماعي للأنوثة، مع لحاظ أن مفهوم الأنوثة أيضا من المفاهيم الاشكالية، إذ يتم تناوله (كمفهوم متورط في تمثيلات تاريخ المرأة وهويتها عبر الزمان والمكان). وهكذا فإن المفاهيم عن الأنوثة والجسد الأنثوي المثالي مختلفة ومتشعبة وتحتاج إلى تأن وصبر لسبر أغوارها.
ومن المثير أن المعارضة للجراحة التجميلية سواء للعمليات المشروعة التي تعترف بأن هناك نساء بحاجة إلى "إعادة بناء"لأسباب جمالية أم المعارضة غير المشروعة التي ترى ذلك مجرد ترف كمالي، كلاهما تشيران إلى أنه يمكن استخدام هذه الجراحة التجميلية لفائدة اقتصادية أو اجتماعية. 
لأن الجراحة التجميلية هنا إن مارستها المرأة كطبيبة ستكون من مجالات تمكين المرأة وتقوية مكانتها وتحقيق رضاها عن ذاتها.
 تذكرنا الخطابات النسوية دوماً بالعلاقات الاجتماعية وأحكامها عن ذاتية المرأة ومنفعتها، لذا نجد الاخلاقيات النسوية تحاول أن (تزيل اضطهاد أي مجموعة من الناس ـ والنساء خصوصا، أو تخفيفها) عكس ما يحدث في تقويض اختيارات الشخص أو الحكم عليه لأنه يفضل تحسين مظهره كلما يرى حاجة لذلك.
وأخيرا شئنا أم أبينا فإن بعضهم يحتج في أن الجراحة التجميلية تقع ضمن تبعية المرأة الجسدية، وحتما هذا لا يحدث عندما يكون (خيارك أنت وليس شخص آخر يحفزك على ذلك. لأنه إذا لم يكن اختيارك أنت وحدك فلن يعكس القيم النسوية). 
علينا أن نفهم أن المظهر يؤثر جدا في مشاعرنا ويعيد تشكيل ذواتنا فعندما تتقبل مظهرك، ستشعر بالثقة ما يعني مواجهة العالم بكثير من القوة.