كشوفات عن رؤيته لعمله في بلاده والعالم الخارجي
منصة
2021/03/21
+A
-A
د. علاء حميد إدريس
يقع كتاب "محمد جواد ظريف.. إيران والملفات الكبرى"، في مجال السعي لتأسيس رؤية وتصورٍعن كيفيَّة فهم إيران من خارج توجه الضد والمع، وهذا ما يذكره مؤلف الكتاب جواد علي كسار، بأنَّ ما عمل عليه إنتاج مادة علميَّة تدفعنا نحو معرفة تتخطى الانحيازات المسبقة، أنَّ الاطلاع على مجريات الأمور السياسيَّة في إيران، والكامن خلفها من تصورات فكريَّة تمنحنا إطلالة مختلفة عما اعتدنا عليه، من انطباعات تشكلت عبر مراحل تاريخيَّة وسياسيَّة، لم تخل من الصراع والتنافس في منطقة الشرق الـوسط.
اطلالة على الداخل الايراني
الكتاب صدر عن مركز رواق بغداد للسياسات العامة، بطبعته الأولى العام 2021، وفي 688 صفحة، جاءت محتوياته ضمن سبعة أقسام، تقدمها مدخل تتطرق فيه المؤلف الى خطة عمل الكتاب والمنهجيَّة التي اعتمد عليها في بناء مادة الكتاب، يحتوي المدخل على مادة غنية تمنح قارئ الكتاب القدرة على استيعاب التطورات السياسيَّة الجارية في إيران، لا سيما ما طرحه في مبحث "التفكير الجديد" والذي يشير الى نشوء تفكير سياسي مغاير عن المعروف من التوجهات التقليدية التي تكاد تنحصر "بالمحافظين والإصلاحيين"، يقدم ظريف أطروحته في التفكير الجديد على أساس أن "في إيران لا يعرفون أميركا كما ينبغي" ص16، ويحيل ظريف عدم المعرفة الى غياب "الإرادة السياسيَّة" في البلدين، ومن هنا يبادر ظريف الى عرض رؤيته لمعالجة هذا النقص أو ما يطلق عليه عدم وجود رؤية تنظم الفهم، ولكنه يضعها بشكلٍ غير مباشر مستنداً على تجربته بالولايات المتحدة الأميركية، والعيش فيها لفترة طويلة، إذ ذهب إليها وهو دون العشرين ودرس في إحدى أهم جامعاتها، وكان حاضراً في الإعلام الأميركي، لذلك سألته ليزا أندرسون عميدة كلية الشؤون الدولية التابعة لجامعة كولومبيا: سيدي السفير، هل تقصد من وراء هذا الحضور المكثف، أنْ تدخل منافساً في الانتخابات الأميركية؟
ص17.
أراد ظريف في توجه التفكير الجديد، تخطي أطروحة الرئيس هاشمي رفسنجاني "1934 - 2017"، القائمة على مبدأ "حسن النية" الذي يؤدي الى حسن النية بالمقابل، يعتقد أنَّ هذا النموذج لم يعد نافعاً في ملف العلاقات الإيرانيَّة – الأميركيَّة، والتي يعوزها الوضوح في مستويات التفاعل والتخاصم لكي يتم تعيين درجة العداء وتدرجها، حسب عاملي الصراع والتفاعل، وكما حصل في أفغاستان حين تعاونت إيران مع أميركا في إسقاط حكم طالبان 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، يعزو ظريف عدم استقرار العلاقة بين الجانبين الى عوامل إذكاء العداء الخفي والظاهر، إذ يرى استقرار العلاقة بين الطرفين لا يصب في مصلحة الدول المستفيدة من دوام الصراع بينهما، يبلور ظريف نموذجه البديل من مبدأ الدبلوماسيَّة المتعددة، ويعده خياراً ثالثاً، يؤكد المؤلف على تركيز ظريف على خياره، عن طريق التقليل من قيد المحرمات في العلاقة بين إيران وأميركا، حين التقى وزير خارجية أميركا مباشرة من دون واسطة، بتاريخ 27 أيلول 2013، بعد "34" سنة من القطيعة، ثم سجل رقماً قياسياً عندما التقى نظيره وزير خارجيَّة أميركا جون كيري أكثر من خمسين مرة، عدا الاتصالات الهاتفيَّة، واللقاء القصير ولكنه الشهير مع الرئيس باراك أوباما نفسه بتاريخ 28 أيلول 2015، حين رأى يده تمتد لمصافحة رئيس الولايات المتحدة الأميركيَّة، وهو يتبادل معه التحية وكلمات المجاملة في حديث نادر ومتميز
ص 18.
يؤصل ظريف مبدأه في التفكير الجديد على نحوٍ مختلف، مداره حول مبدأ "رابح – رابح" ويجعله محوراً في إدارة ملفات السياسة الخارجيَّة، وهذا ما مارسه في ملف الاتفاق النووي عام 2015، وأما في الجانب الإقليمي والذي تحضر فيه إيران بشكلٍ ملفت، فلا يخفي ظريف سعيه بالتعامل مع أزمات هذا الإقليم على أساس صناعة الأرصدة، وتكوين البؤر والجيوب التابعة، تحت اشتراط مبدأ المحبوبيَّة الإيجابيَّة لإيران في العالم العربي والإسلامي، وهذا أحد أبرز التحديات التي يواجهها في النيل والإنجاز، ينطلق ظريف من قاعدة العقل والمصلحة، إذ يتوحد هذان الاثنان في نسقٍ نظريٍ واحد، بدلالة العقل على المصلحة وإرشاده للمنفعة "العقل يأمرك بالأنفع" والتقاء المصلحة مع الشرع "حيثما تكون المصلحة فثمة شرع الله" فيمكن لنا إرجاع هذا الجانب الى
أصل واحد هو "المصلحة"
ص20.
الانزياح من العقيدة الى السياسة
يضع المؤلف جواد علي كسار في كتابه، تمهيداً لفهم مبدأ ظريف الدبلوماسي، مشيراً إلى أهمية النظر على الرغم من صعوبة الإلمام به، والحاجة الى منهجيَّة نحلل بها مضامين هذا المبدأ، ولهذا يبين أنه عالج هذه العوائق بالرجوع الى نصوص ظريف وتصوراته عن القضايا التي تعامل معها، يجمل كسار مبدأ ظريف الدبلوماسي في 25 نقطة يشرح فيها المكونات التي تشكل الصورة الكلية لرؤيته، والنقاط هي:
• المصالح هي الأساس: أسس ظريف جل مبدأه على المصلحة، لأنها معيارٌ لتفاعل الدول مع غيرها من الدول ولذلك يقول ظريف "من السذاجة الاعتقاد أنَّ لك في العالم، صداقة دائمة؛ بل ما لديك في العالم هو مصالح، تماما كما للآخرين مصالح أيضاً" ص 363
ويثبت ظريف محوريَّة المصلحة في مبدأه الدبلوماسي، بتعامل إيران مع قضية الشيشان في عهد الرئيس خاتمي "1997 - 2005"، وعلى الرغم من ترأس إيران لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إذ لم تتفاعل إيران مع ما يجري في الشيشان كونها بلداً إسلامياً، يعزز ظريف تبنيه للمصلحة بقوله "لنا في علاقاتنا ملاحظات وقيود مختلفة في شتى الحقول، ونحن نأخذ هذه الملاحظات والقيود بنظر الاعتبار، وهذا ما تفعله البلدان كافة".
• الفرص والمخاطر: ويؤكد على أهمية اقتناص الفرص.
• المصلحة بدلاً من الثقة: لا يصح الاستناد كثيراً الى مبدأ الثقة في العلاقات الدوليَّة، لأنَّ البلدان تسعى وراء مصالحها.
• لا مصادفة ولا اعتباط: ليس ثمة شيء اعتباطي في السياسة.
• نقد نظرية حسن النية: السعي لإزاحة مبدأ رفسنجاني "حسن النية يتبع حسن النية" واعتماد مبدأ "رابح – رابح"
• الواقعيَّة العقلانيَّة: تخطي الثقة وحسن النية والصداقة الى العقلانيَّة والواقعيَّة.
• المنطقة الرماديَّة: الإيمان بتداخل المصالح التي يطلق عليها ظريف المنطقة الرماديَّة.
• رفض المعادلة الصفرية: والتي يرفض فيها الخسارة والتي تعد مرتكزاً في العقل الإيراني.
• ملة التطرف واحدة: والذي ينظر فيه ظريف الى المتطرفين بأنهم ملة واحدة حتى مع اختلاف الدين والمذهب.
10 - نظرية المؤامرة: يرفض ظريف مباني نظرية المؤامرة "من الأفضل ألا نلجأ الى نظرية المؤامرة من دون سبب، ما دمنا نستطيع تفسير واقعة ما؛ لأنَّ نظريَّة المؤامرة غير قابلة للإبطال" ص 379
11 - استعمال القوة: يرفض هذا المبدأ ويرى بضموره.
12 - التهدئة وتصحيح العلاقة: يتبنى ظريف مسار النقد والتقييم والمراجعة في فهم العلاقات الخارجيَّة.
13 - الأمن للجميع: في عالم اليوم المترابط، لا يمكنك بلوغ الأمن وتحقيقه، بغرض اللا أمن على الآخرين. ص 389
14 - النظام العالمي الجديد: يدعو ظريف لبناء نظام عالمي جديد.
15 - الحاكمية والسيادة: يرى بالتداخل بين المبدأين ولا انفصال لهما في تحقق وجود الدولة.
16 - المتعدد والائتلاف: يرتبط هذا المبدأ برؤية ظريف للدبلوماسية المتعددة.
17 - الأنموذج والمكسب الجيوسياسي: ينطلق ظريف في هذا المبدأ من خصوصيَّة إيران ونظامها، ولهذا تكمن مشكلات إيران كما يرى ظريف مع دول العالم من اختلاف
أنموذجها.
18 - العلاقة مع الغرب: يرى ظريف أنَّ المشكلة تنبع في فهمنا للغرب وتأثير هذا الفهم في علاقاتنا به.
19 - المرونة والمساومة: هذا المبدأ مرتبط بالعقلانيَّة والواقعيَّة، اللتين يتبناهما ظريف.
20 - المقدس وغير المقدس: يدعو ظريف الى التمييز بين الجانبين في العمل الدبلوماسي.
21 - العلاقة مع أميركا: هي فرع أو نتيجة العلاقة مع الغرب، لذلك فهي ممكنة كما هي العلاقة من الغرب. ص 412
22 - إيران عنصر تهديد: يعلق على دوام هذا المبدأ من عدمه بالعلاقة مع أميركا، إذ يرى ظريف أنَّ أميركا عملت على تحويل إيران الى عنصر تهديد للأمن العالمي .
ص 417
23 - اليمين المحافظ: هذا المبدأ يعتمد على ما جرى في أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1990، وبروز تيار المحافظين فيها.
24 - صناعة الأرصدة التابعة: بنظر ظريف إنَّ العمل على بناء جيوب موالية لإيران في أي مكان، يمثل رصيداً سياسياً لها في القدرة على النفوذ والتأثير.
25 - المحبوبية السلبية والايجابيَّة: يناقش ظريف في هذا المبدأ مدى مقبوليَّة إيران من عدمها بالمقارنة مع النموذج التركي.
نصوص ظريف: المقولات والممارسات
تقدم لنا نصوص ظريف رؤيته لعمله في بلاده والعالم الخارجي، ويطرح المؤلف مبحثاً كاملاً لها يمتد من ص 438 والى ص512، فيه مادة غنية ومعبرة عن نمط التفكير وشكل الصراع الذي نشأ في مراحل بناء النظام في إيران ولغاية اليوم، منها "نمو تجربة القسم الدولي من خلال حضور المؤتمرات، أدى مع الأسف بالبعض إلى أنْ يظن بأننا نعمل على نحو
مافيوي.
وعندما أصبح د.خرازي وزيراً، فقد اكتملت العصابة، وهو الأمر الذي دفع أحد أساتذة جامعة طهران، إلى أنْ يعطي
هذه المجموعة وصف "عصابة نيويورك" ص 459، و"لأنني عشت في أميركا ودرست فيها، أعرف نظام حياة الأميركي، فقد كنت أتواصل بسهولة مع الأفراد، خارج نطاق الحكومة الأميركيَّة" ص453، ويسلط ظريف الضوء على تعامل إيران
مع الأمم المتحدة "في ذلك الوقت كنا نحن فقط من يعرف ضوابط عمل منظمة الأمم المتحدة، لكن هذه المقررات لم تكن سوى (أسلوب عمل)، أما العمل نفسه فهو بحاجة إلى العقلانية أيضاً، لكن لضآلة تجربتنا يومذاك، لم نراع الجانب العقلاني هذا"
ص 455.
ملاحق الكتاب: مادة لفهم
الواقع الإيراني
تضعنا ملاحق كتاب "محمد جواد ظريف.. إيران والملفات الكبرى" أمام مادة واسعة وغنية عن شخصيات ومؤسسات وقوى سياسية، ولذلك صاغ لها مؤلف الكتاب جواد علي كسار مدخلاً لكي يعرف بأهميتها "أرى أنَّ هذه مهمة جليلة لا يمكن من دونها فهم الواقع الإيراني، وإدراك تجاويفه العميقة وما تستبطنه من خلفيات ومعلومات، لا
مناص منها لاستيعاب المواقف والرؤى والتحليلات الواردة في هذا الكتاب" ص 515، ويضيف كسار بخصوص أهمية ما مكتوب في ملاحق الكتاب "لكي يتضح ثقل الوظيفة التي ينوء بحملها هذا القسم، نمر على أمثلة سريعة، فمحمد جواد لاريجاني وسايروس ناصري وأكبر اعتماد وسعيد امامي، ليست أسماءً عابرة، بقدر ما هي دالات مكثفة على وقائع وأفكار ومواقف وأحياناً استراتيجيات، إذ ينظر الى لاريجاني بوصه مفكراً أستراتيجياً، يكفي انه قدم صياغة لنظرية أم القرى، وقد يضعه البعض في مقابل أحمد داود أوغلو، المنظر الأبرز للحالة التركيَّة، وسايروس ناصري أحد أبرز الأسماء الخفيَّة في السياسة الإيرانيَّة، وأكبر اعتماد مؤسس المشروع النووي الإيراني ويلقب داخل إيران بـ"أبو المشروع النووي"، وسعيد إمامي شخصية أمنية إشكالية من الدرجة الأولى، لارتباط اسمه بالعمليات الميدانية لوزارة الأمن داخل إيران وخارجها، وتتطرق الملاحق للصحافة في إيران والتي ما يميزها أنها ليست فقط صحفاً وإنما هي معبرة عن توجهات سياسيَّة لها مرجعيات فكريَّة، تقدم رؤى خاصة في ما يخص السياسة والقضايا الخارجيَّة، ومن الصحف يذكر المؤلف "كيهان، سلام، اطلاعات، رسالت، جمهوري
إسلامي".