هذا ما حدث لشكر الصالحي: من الخير أنْ تجري رياح الزمان

منصة 2021/03/22
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
 
صدر للشاعر الباحث شكر حاجم الصالحي كتابٌ جديدٌ تحت عنوان (هذا ما حدث) والعنوان لا يشي بتفصيل، لكن الذي يقف على المضمون يكتشف حجم المعاناة التي عاشها الكاتب خلال سنواته السبعين المليئة بالتعب.
(هذا ما حدث) رحلة حياة تفصيليَّة كتبها من عانى أحداثها المتعبة التي غيَّرت الكثير في حياة الكاتب.
وإذا كان أدب الاعترافات يبدو مهماً في الكشف عن العوالم السريَّة للبشر في بعض تفاصيل الحياة أو في معظمها, وأنَّ بعض هذه المذكرات أو الاعترافات يعدُّ إضافة مهمة لهذا اللون من النتاج الثقافي، فإنَّ اعترافات القديس اوغسطسينوس كانت البداية الحقيقيَّة لأدب الاعترافات تبعها الاعترافات الأشهر لجان جاك روسو في مدونته المهمة التي تكشف عن جوانب من تربيته وعالمه السري, في وقتٍ نجد فيه أنَّ مواطنه الظريف جان جينيه الذي عاش بعده بمئة عام (توفي في 15 نيسان/ أبريل 1986) كان قبيحاً صلفاً في اعترافاته الشديدة التفاصيل السيئة عن حياته ومعاناته.
والحق أنَّ أدب الاعترافات هو غير أدب المذكرات التي تحفل بها المكتبة العربيَّة اليوم, لما في أدب الاعتراف من خصوصيَّة وتأشير أغلاط الحياة في عمقها السري, ولعلَّ كتابة المغربي محمد شكري لحكاية (الخبز الحافي) المحاولة الحقيقيَّة الأولى في أدب الاعترافات عربياً.
تأتي تجربة الشاعر شكر حاجم الصالحي في (هذا ما حدث) الصادرة حديثاً لتشكل أنموذجاً شجاعاً وحساساً في أدب الاعتراف, فليس سهلاً أنْ يتحدث كاتبٌ وشاعرٌ وباحثٌ في التراث الشعبي عن الأخطاء الحياتيَّة التي ارتكبها شابٌ وشيخٌ في تجربتين حياتيين غيرتا الكثير لديه.
التجربة الحياتيَّة الأولى عندما تخرج المؤلف في الإعداديَّة عام 1965 وتقدم للحصول على مقعدٍ له في الدرس الجامعي في بغداد ليجد نفسه مقبولاً في جامعة البصرة في كلية الحقوق رغماً عنه وعن أولاعه الأدبيَّة, وذهب الى البصرة مرغماً وتعايش مع واقعٍ فُرِضَ عليه لفترة, إذ سكن مدة من الزمن لدى عمٍ لم يره سابقاً تمكن من رعايته رغم ضيق اليد حتى قُبِلَ في القسم الداخلي.
اشتدت معاناة الكاتب في الدرس الجامعي الذي فرض عليه وحاول النقل الى كليَّة التربية القريبة من تطلعاته لكنه لم ينجح بسبب اللوائح والأنظمة لكنه استطاع الحصول على التأجيل لعامٍ دراسي ثانٍ لعدم استطاعته الحصول على من يتكفله بمبلغ كفالة القبول في القسم الداخلي.
عاد الى مدينته (الحلة) محسوراً بعد أنْ ضيع توجهه الأساسي الذي أراده لنفسه ولم يعد الى البصرة إلا شاعراً من شعراء المربد, عاملاً في وظيفة في مشروع المسيب الكبير أيامها, وكان ذلك الخطأ الفادح الأول.
كان الخطأ الكبير الثاني الذي يعترفُ به الكاتب هو محاولته الهجرة وقد جاوز عمره السبعين وامتلأت جيوبه بأدوية القلب وما يتصل بها, وفي الدار زوجتان وعشرة أبناء وبنات.
وتكون الرحلة الى ماليزيا أولى المحطات الرسميَّة رغم بكاء الأهل والأحباب، كان حلم الوصول الى أستراليا عبر أدغال أندونيسيا وبحرها المحاذي للبر الاسترالي الشاسع هو الهدف.
هنا تكون البداية لعذابٍ متصلٍ بين المهربين وشاري الذمم والدلالين والطرق البحريَّة الغادرة المخيفة التي تمت بقوارب مطاطية نقلت الكاتب ومن معه من حالمين من جزيرة الى ثانية ومن قرية في الأدغال المعتمة الى أخرى حتى وقع الركب في أيدي السلطات الأندونيسيَّة التي احتجزتهم في مواقع خاصة كسجونٍ مؤقتة يجري الصرف عليها من قبل سلطات الهجرة الدوليَّة حتى تتأمن إعادة المهاجر الى بلده على وفق ظروف الهرب ووجود الجواز أو إنكاره أو ضياع الأوراق الرسميَّة للمهاجر.
قصص وحكايات ساخنة عايشها المؤلف في ذلك السجن الدولي حتى أتيحت له فرصة العودة بعد شهورٍ متعبة.
يعترف الصالحي بهذين الخطأين الحياتيين اللذين قادته الظروف الى ارتكابهما وأثرا في مسار حياته في البدء والآن، لكنه كان شجاعاً في الاعتراف بعدم الجدوى وأنَّ من الخير أنْ تجري رياح الزمان.