قصيدة (لا أشتاق إليها) لتريسي كي سمث الماضي العاطفي بين الإثارة والإحساس بالسأم

ثقافة 2021/03/24
...

محمد تركي النصار
 
ولدت الشاعرة تريسي.كي.سمث في مدينة فالموث بولاية ماساتشوستس، حاليا تدرس الكتابة الابداعية في جامعة برنستون. 
فازت بجائزة البولتزر عام 2012، وشغلت منصب أميرة شعراء الولايات المتحدة بين العامين 2017 - 2019.
لها من الدواوين الشعرية: سؤال الجسد، دويندي، الحياة في المريخ وكتاب مذكرات (ضوء عادي). 
قصيدة (لا أشتاق إليها) لسمث تتحدث عن الاحساس بالعزلة الذي يعقب انتهاء علاقة الحب العاطفية، إذ تسترجع القصيدة ماضي سمث عندما كانت تعيش أجواء تلك العلاقة.. ساعات طويلة من انتظار حبيبها ليعود، ساعة بعد أخرى بلا جدوى. وبرغم إحساسها بالضجر إلّا أنها كانت تعيش لحظات من الإثارة عندما كان حبيبها يعود للمنزل وهو ماكان يغذيها بالطاقة لكي تستمر يوما آخر في تلك العلاقة.
 أما الآن وقد انتهت تلك العلاقة فإنها تعيش مشاعر الحنين وفي الوقت ذاته تفهم الاحساس بالعزلة الذي كان ينتابها في أوقات كثيرة. إنها مشاعر مركبة غالبا مايعيشها العشاق حيث الاثارة والبهجة وبعدهما الضجر والخفوت، ولعل في ذلك تفسيرا لأسباب اضمحلال العلاقات أحيانا والتي تبدو مثل الأسفار غير المكتملة في حياة الكثيرين.
تبدأ الشاعرة قصيدتها وكأنها تعيش نسيانا وهي تحاول استعادة ماضيها العاطفي. ونلاحظ التوصيفات والمناخ العام للقصيدة يغلب عليهما البطء والرتابة وأحادية اللون بشكل واضح، انه الاحساس بالسأم الممتزج بخليط مركب من المشاعر.
تركز سمث على الساعات الطويلة التي كانت تقضيها وهي تجلس على الأريكة بانتظار عودة حبيبها، وعندما يعود أخيرا تغير الإثارة مزاج  اللحظات المضجرة.  
وإذ تستحضر الشاعرة تلك الأجواء فإنها ترغب باستعادة اللمسات الجميلة مدركة في الوقت ذاته طبيعة حياتها خلال تلك العلاقة: انها مزيج من الوجع والحزن والحنين.
تتألف القصيدة من اثنين وعشرين بيتا أغلبها تتألف من مقاطع ذات بيتين مع وجود مقاطع من بيت واحد فقط، وهذه تكون وظيفتها كنهاية لحدث في الذاكرة أو فكرة معينة مميزة، والاولى منها تدل على نهاية وصف ومناخ، والثانية تدل على تغيير في نغمة القصيدة، وعمق العلاقة مغمور في الابيات المزدوجة إذ تعكس سمث فيها إحساسها بالعزلة الحالية التي تعيشها:
لكنني أحيانا أنسى أين أنا 
متخيلة نفسي في داخل تلك العلاقة مرة أخرى.
هذان البيتان كأنهما تتمتان للعنوان، وتصنف تريسي الذاكرة كاستمرار لفكرتها الخاصة، والتركيز على كلمة أحيانا يظهر أن تعلقها بالذكريات يبدو أكثر شيوعا مما ظهر في البداية، إنها عملية حفر في ماضيها:
الصباحات المتمردة، الشمس ربما 
تشق طريقها خلال غيمة لاشكل لها 
الاقتران هنا بين الشمس وكلمة ربما فيه دلالة التعارض ومعنى عدم السعادة وهو مايدعى هنا بالمغالطة المثيرة للشفقة حيث الضوء علامة فرح لكن كلمة (ربما) تخلق مناخا من الريبة وظهور الذاكرة الكئيب: المعبر عنها بانعدام شكل الغيمة.
وعندما أبدأ بتصديق أنني لم أغادر 
تأتي بقية القصة، أريكتنا، الدخان 
كل شيء حي، ليمسك مفتاحك في الباب 
وهذا الشعور المتقافز في صدري.
هنا تعود الشاعرة الى استخدام الضمائر الشخصية (بدأت أصدق بأنني لم أغادر).
وهي تحاول استعادة الأفعال التي قامت بها عندما كانت تعيش حالة الحب: (البقية تأتي).. إذ تحس الشاعرة في هذه المرحلة من القصيدة بأن حنينها يمتزج بإدراكها الحقيقي بأنها لم تكن تقوم بما يكفي في حياتها عندما كانت تعيش علاقتها العاطفية.
تجلس الشاعرة على الأريكة وهي تدخن بينما تمضي الساعات، وتبدو سكونية المشهد والدخان المتصاعد وكأنهما الشيئآن الوحيدان المتحركان في التذكر الموحش.
وحالة الضجر وتتابع الساعات تظهران بطء مرور الزمن، والانشداد لضجيج الزحام والموسيقى هو الشيء الوحيد الذي يصدر من الشاعرة.. وهي تضع كل تركيزها لالتقاط صوت مفتاح حبيبها وهو يفاجئ إحساسها بالوحشة والملل، وقد تم تصوير هذه اللحظات كأنها (شعور متقافز في صدرها): 
كما لو أن النهار، الليل، أو سَمِّهِ ماشئت
في كل مكان أكون فيه
ضجيج لأشياء أخرى
عدا الانتظار. 
هذا الاحساس بالشحن العاطفي هو الاستجابة الوحيدة التي تربطها بالذاكرة، وسوى ذلك مجرد ضباب مشوش وعدم كبير من الدخان والانتظار.
وتتكرر حالة الاثارة التي يعقبها الشعور بالضجر يوما بعد آخر كأن الحساس بالفراغ والامتلاء مرهون بحضور الحبيب وغيابه:
نسمع الكثير عن الحب
الآن، اليوم، مع تساقط المطر في الخارج.....
تمرر يديك على جانبي ساقي
عارفا بشكل حاذق ما الذي تحسَّان به. 
في الابيات الآنفة تتحدث الشاعرة بأننا كبشر نتحدث كثيرا في الاعلام واللقاءات اليومية عن الحب محاولين وضع تعريفات له وبين الواقع والمكتوب نثرا وشعرا تبقى حالة الحب مرتبطة بذروة الرغبة وحب الحياة، كأن الشاعرة بهذا تحاول تبرير انشغالها وأيامها الضائعة بين القلق والانتظار متسائلة: هل تستحق حياتها الرمادية لحظة من الحب.