التصعيد العسكري الإقليمي وإجراءات القوى العظمى

آراء 2019/02/08
...

ندى سالم
وابتداء  من المحور الذي تشكله ايران، فان المكانة الإقليمية لطهران لا يمكن الدلالة عليها بانها بعيدة عن اطر التنافس الإقليمي، اذ ينظر اليها المختصون بالشأن الستراتيجي والسياسي على انها من الفواعل الإقليمية الصعبة الحلول وذلك لقربها من مناطق حيوية للقوى العظمى (الولايات المتحدة) فان ايران ذات الأهمية الجيوبولتيكية وذات الموقع الستراتيجي وذات الأهمية الاقتصادية والأمنية حلقة مكملة لمناطق النفوذ الغربي والأميركي على وجه الخصوص .
 اذ بعد ان فرضت الولايات المتحدة الأميركية حزمة العقوبات على ايران والتي شملت قطاعات النفط والبنوك والنقل والعقوبات اللاحقة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على جهاز الاستخبارات والتي خرقت به  بنود الاتفاق النووي بعد ان كانت مسؤولية الرصد والتحقق تابعة الى مجلس الامن الدولي أي بمعنى تحت رعاية واشنطن .
في أية دلالة يمكن ان تثبت الولايات المتحدة الأميركية سلامة إجراءاتها تجاه تعاملها مع ايران بعد ان استطاعت ان تخرج معها باتفاق إقليمي يحقق جزءاً من الاستقرار الامني الشامل ،  فهل تضمن ذلك الاتفاق قصوراً بوجهة النظر الأميركية بعد الانسحاب منه او الاخلال به ؟ ام يعود ذلك الى زيادة النفوذ الإقليمي الإيراني في المنطقة وان واشنطن شاهدت اخفاقها بتنفيذه؟  ام ان الإجراءات الأميركية جوهرية لتعريض الامن العربي والإقليمي على حد سواء الى آليات عمل جديدة، تراها الولايات المتحدة تصب في صالحها ؟.
خاصة بعد قول مستشار الامن القومي الحالي جون بولتون :" سنفرض عقوبات تتجاوز هذا ، لن نرضى ببساطة بمستوى العقوبات التي كانت موجودة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما في 2015".  ففي اعتقاده بان هذا الامر سوف يؤدي الى تسريع وتيرة تراجع النشاط الإيراني في المنطقة .
ولكن دولة كالولايات المتحدة الأميركية بادارتها وبمفكريها ... الا ترى بان تلك العقوبات لا تؤتي نتائجها الحقيقية على طهران بعد ان استمرت تلك العقوبات منذ نهاية العقد الأخير من القرن المنصرم واستمرارها بعد ان احالتها الى مجلس الامن الدولي ، ناهيك عن التوسع الإقليمي الإيراني تجاه محاور النفوذ  الأميركي ضمن أقاليم اسيا الوسطى وبحر قزوين والمنطقة العربية (العراق، سوريا، لبنان ،اليمن ...) وعلى مقربة من حليفة الولايات المتحدة إسرائيل، هذا بالإضافة الى طبيعة علاقة ايران بحلفائها وشركائها التي يصعب فيها الحصول على نتائج إيجابية للعقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأميركية .
اما بالنسبة الى آلية التصعيد الأخيرة التي تضمنتها الولايات المتحدة تجاه طهران، فان تلك الحسابات التي تتخذها واشنطن بعيدة كل البعد عن الحسابات المنطقية فهي تدرك جيدا حقيقة المكانة الإيرانية ،فان ايران لا تشبه العراق عندما قوضت الولايات المتحدة قوته عندما فرضت عليه العقوبات الدولية وعندما ارادت التدخل العسكري وإعلان حالة الحرب عليه والتي اخذ يراها المفكرون الستراتيجيون الاميركيون في تلك الحقبة خطوة صعبة للغاية  بدلالة قول برجنسكي الذي صرح بالقول " اذ قررت الولايات المتحدة الأميركية المضي قدماً في خطهها الخاصة بالعراق فسوف تجد نفسها بمفردها لتتحمل تكلفة تبعات الحرب ".  
آنذاك كان العراق يشهد تراجعاً في المجالات كافة ، ولاحظ فيه المختصون بالشأن السياسي بان العمليات العسكرية التي كانت ستقودها واشنطن صعبة في ظل بيئة الشرق الأوسط ولكن اليوم التعامل مع قوة إقليمية !!! فهل الولايات المتحدة مدركة لحجم المخاطرة والحسابات غير المنطقية ام هنالك إجراءات وستراتيجيات تأخذها على هامش آلية عملها ومنها الغطاء العربي .
هناك فكرة طرحها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن اشار فيها الى حقيقة الصراعات والحروب المستقبلية وخاصة في عمليات مكافحة الإرهاب وهي فكرة غريبة بعض الشيء والتي دل بها على ان الإرهاب ليس دولة اوتنظيماً بقدر ما هو تقنية وأشار الى ان حلفاءنا بالمنطقة ومنهم إسرائيل يمتلكون تلك الآلية على حد قوله.
ان الولايات المتحدة الأميركية تدرك جيدا كيفية التعامل مع قوة النفوذ الإيراني والتي على تماس مباشر مع حليفتها ومصالحها الشرق أوسطية فهل آلية العقوبات تؤتي اكلها في ظل حالة التصعيد المحتدمة وخاصة في الأراضي السورية والحرب الدائرة فيها والتي سوف تنتهي في الأراضي العراقية، ناهيك عن الزيارات المستمرة الى يقوم بها افراد الإدارة الأميركية بعد ان سمح لها الفراغ الستراتيجي في الأراضي العراقية وبعد عام 2003 ان تلاحظ حجم المخاطر والتهديد الذي صاحب تدخلها العسكري .
وكذلك حديث وزير خارجيتها مايك بومبيو على ضرورة إقامة تحالف عسكري يتم فيه اشراك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية والإقليمية بالإضافة الى استمرار حالة التصعيد الخطرة التي عكستها العمليات العسكرية في الاراضي السورية ومنها الطلعات الجوية الإسرائيلية والتي تدل على ان هنالك خطوات تصعيد خطرة سوف تشهدها المنطقة العربية وخاصة ضمن الاراضي السورية والعراقية .
في ظل الاصطفاف الإقليمي والدولي المتصاعد وفي ظل آلية الحلول البعيدة التحقق وخاصة تجاه المسائل العالقة ضمن مناطق النفوذ تجاه الأراضي السورية  والعراقية، وان آلية التقسيم وتشكيل منطقة الشرق الأوسط الجديد باتت  واضحة المعالم بعد ان تمت الموافقة من قبل الولايات المتحدة الأميركية على تشكيل المنطقة العازلة والتي اقترحتها تركيا في شمال سوريا لكي تضمن مكانتها في آلية توزيع المكاسب .
فما يمكن ان تحققه واشنطن في حالات التصعيد العسكري التي تتخذها القوى الإقليمية وخاصة من قبل حليفتها إسرائيل تجاه الأراضي السورية ، وما يمكن ان يؤول اليه اتخاذ مثل هكذا إجراءات؟ وهل بإمكانها تشكيل اصطفاف عربي واقليمي جديد يمكن ان يقود الحرب عوضاً
 عنها.