الهيكل العظمي للنخلة
ثقافة
2021/04/01

لؤي حمزة عباس
تنشغل المجموعة بالتعبير عن مشاعر خوف ترتسم على الوجوه في ليل المدينة الطويل، مثلما تنشغل باستعادة ظل طائر ميت يتنقل بين القصائد، إنه يقترب من صورة المدينة وحياة أناسها اقتراباً خطراً، ويختار من أماكنها ما يمنحه القدرة على الإنصات لصوتها الخفي وهو ينبثق من شارع وحديقة حيوان ومقبرة، ليتجلى في ساحة سعد، كراج المدينة وسرّة عالمها السفلي، باحثاً عن نهرها البعيد الذي لا يُرى، إن خطى الشاعر تقوده إلى «قبر من الملح»، وليس من المستغرب أن تقودنا تجارب البحث عن الأنهار البعيدة إلى أضدادها: النهر يقود إلى القبر، والطير يقود إلى سماء مهجورة معتمة، إنها أدلّة الظلام التي تهيم في عماء، هكذا تواصل مجموعة حسين عودة البحث عن «النهر الذي في داخلك»، لكن البحث لا يفوز بغير طين الوحدة الذي ينحت تماثيل أيامنا وقد غدا الطير جثةً في الخزانة، مستعيداً صوت الشاعر البصري حسين عبد اللطيف وهو يحدّثنا عن البلبل الميت بين الثياب، وأصبح النهر جداراً مغلقاً، والعالم مكعباً يبدأ من باب مقبرة، حيث تنقلب الصورة ويلتبس المشهد، ويصبح الشاعرُ حقيبةً تحمل طفلاً، وتواصل المشي حتى تضيع بين الشواهد المغبرة، ثمة بداية دائمة تكسر غصناً وتُطلق خيط مرارة يتحرّك من أولى قصائد المجموعة إلى آخرها، وبهذا الخيط يؤثث حسين عودة عالمه بصمت أقرب إلى الشجن، وإحساس واضح بانكسار الصورة التي لم تبقِ للمدينة ما يعبّر عن فتنتها وأحلام فتوتها، إنها فسيفساء الظلام تقود يد الشاعر لكتابة ما يراه من المدينة التي لم تعد غير هيكل عظمي لنخلة.