كتاب الحياة وقصص أخرى «من العتبة إلى الفنطازيا»

ثقافة 2021/04/07
...

  ياسين شامل
إذا كانت القصة، هي نوع من أنواع “السرد»، لها مواصفاتها وممكناتها المعروفة، إلا أنها لا تكتب بقوالب جاهزة، فهي “فن مراوغ»، تتخذ أشكالا متعددة ومختلفة، فهي متجددة، ولا يمكن أن نجد تعريفاً واحداً لها، فلا يوجد اتفاق بالإجماع على تعريفها، فالتعاريف متعددة ومختلفة، لدى النقاد وفي المعاجم السردية. 
العتبة
في مجموعة (كتاب الحياة وقصص أخرى) لعبد الأمير المجر، نجد العنوان وهو عتبة أولى تواجه القارئ، وهذه “عتبة مركزية وجوهرية” تحيلنا مباشرة إلى الحياة، يعزز هذا العنوان بلوحة جميلة موحية، هذا العنوان الرئيس، عنوان قصة (كتاب الحياة) ضمن ثماني قصص ضمتها المجموعة. 
وكان اختيار هذا العنوان مثيراً وموفقاً، وذلك كون الحياة يمكن أن تعد كتاباً لقصص لا متناهية، يتمكن الكاتب ذو المعرفة الثقافية والحياتية من تهشيم ما هو موجود فيها “أي الحياة” وإعادة بنائها، ويظهرها بشكلها الجمالي.
 هكذا تمكن عبد الأمير المجر في خلق قصصه بالأحداث وشخصياتها وفضاءاتها السردية وما تتضمنها ...، حتى لامس عمق مشاعرنا، وأثار الأسئلة في دواخلنا. و»لا شك في أن أول ما ينتصب كموضوع هو مادة الحياة ذاتها التي ينبغي أن تصاغ، والكاتب العميق لا يقبلها ببساطة كما هي معطاة في المعايشة، في الواقع، بل يدرس بخلاف ذلك، المضمون الاجتماعي المبثوث في هذه المعايشة، في هذه القطعة من الواقع”.
في البدء كانت العتبة التي واجهتنا كقراء “العنوان” وعندما نبدأ بتصفح الكتاب نقرأ مقولة “نيلسون مانديلا: التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا، ليس بالشفقة أو بالتسامح، ولكن كبشر، تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل”.
 هذه المقولة تخلق لدينا انطباعا، أن الكاتب يحاول أن يعكس وجهة نظره في هذا الكتاب من خلال مقولة نيلسون مانديلا، التي تدعو إلى التسامح وتحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل، وذلك لما يعانيه الإنسان في الكثير من البلدان من مصادرة لحريته وتعرضه للظلم، من أناس طارئين على حياة البلاد في الكثير من جوانبها، هم يعملون على طمس هويته.
 وهذا ما نجده في قصة (العراة)، « لم تنشر صور اللصوص، ولا أحد يستطيع تحديد ملامح وجوههم، لكن البعض قالوا إنهم رأوا اشخاصاً لهم وجوه غريبة لا تشبه وجوه أهل المدينة أبداً”.  هذه الوجوه وبحكم حركة التاريخ لا يمكن لها أن تستمر لا بد أن تتعرى، وتنكشف على حقيقتها، فينالون العقاب. “لم يمض وقت طويل حتى كان الرئيس يتقدم مجموعة العراة، يسيرون كالقطيع في شوارع المدينة وخلفهم الجموع الغاضبة، التي تهتف بالقصاص منهم، وقد استعادة أشياءها المسروقة كلها”. هكذا تتكشف الحقائق، ويسقط الزيف مهما كانت قسوة الحياة، وطال الزمن.
وامتداداً لتلك الرؤية التي يعمل عليها عبد الأمير المجر تتوضح في عدد من قصصه والتي يشير بصورة رمزية إلى مسألة الحرية ففي قصته (دعوة لحفل المجانين)، يستهل القصة بـ  “كانت العبارة واضحة تماماً، مكتوبة بخط الرقعة، وبحرف كبير نسبياً، على الظرف الأبيض الأنيق، الذي يعلوه اسم المؤسسة الراعية للحفل وشعارها المتمثل بشعلة تمسك بها كف”. وكذلك يكتب “لم أعرف من قبل رابطة باسم -رابطة المجانين الأحرار”.
نجد مقولة للفيلسوف الألماني غوته كعتبة في مقدمة قصة (كتاب الحياة)، وفي مقدمة قصة المؤرخ نجد مقولة لكونراد أديناور، وكذلك في قصة (الإرث) لجان جاك رسو وفي قصة (عودة الإنسان) أية قرآنية ومقطع من الكتاب المقدس/ سفر التكوين.
 كل هذه العتبات ماهي إلا موجهات، يعتبرها الكاتب “لها علاقة وثيقة - بحسب رأيه - بالعمل وطبيعته واسلوبه وظروفه، ويمكنها أن تعمل بوصفها مفتاحاً من مفاتيح تحليل الخطاب الروائي”، ويريد الكاتب منها أن يعطي القارئ تصوراً تأملياً قبل التوجه للقراءة كي تساعده في فعالية التلقي.
 
الفنطازيا
قصص (كتاب الحياة وقصص أخرى) تشترك في شكل جوهري لتثير الدهشة، فشخوص القصص في معظمها، والأحداث في الفضاء الحكائي، تكاد تكون فوق الطبيعية. هنا يثير الكاتب في عقل المتلقي قلق التفسير. وتكثر الأسئلة، ومثل هذه الكتابة التي انجزها المجر “هي مغامرة بالضرورة، ورهان يعكف على سبر أغوار النفس وتحليل أحلامها واستيهاماتها وتخاييلها الشفافة والمعقدة معاً، لأن سرد الغرابة ـ كما يقول كرزنسكي – ينجز كمجازفة لبنيات استدلالية تحمل التناقض والشعور بالغريب غير القابل للقبض”. 
إن المجر أجاد “المراوغة” في كتابة قصصه، كي يأخذنا في أغلبها إلى عالم متخيل غريب أو مختلف، كما في قصة العراة، حيث كان كل شيء وأي فرد عارياً، ليعبر عن ذلك الرعب المستبطن في داخل الإنسان في ظل ظروف قاهرة. “بقيت أدور في الغرفة، وقد امتزج الحرج الذي تملكني بخوف حقيقي، دفعني لأمد برأسي من باب غرفتي كي استطلع الأمر، فوجدت الصمت يخيم على الفندق بأكمله ولا أثر لأية حركة فيه، فتحول الخوف إلى رعب قاتل، فالغرف التي تجاورني بدت كما لو أنها قبور، يغلفها صمت مطبق، حينها قررت أن أكسر الصمت المخيف هذا بإطلاق صرخة”. 
وفي قصة (مسبحة ابي) يأخذنا إلى مجتمع القرية، وما يشاع من تهويلات حول مسبحة الأب وما آلت إليه  “كان أبي ممدداً على الأريكة، وحده، وقد تناثرت حبات مسبحته في المكان، وأخذت تحاصر جلسته كائنات صغيرة على شكل عقارب وأفاع لا تكاد ترى”.
في كتاب الحياة يضع الكاتب في كتابه الخصائص التي عمل عليها بإدراك مسبق عن ترابط القصص بموضوع يشتغل عليه، لتأتي بهذه الصورة لما تحتويه من أفكار وتكرر الثيمات المتقاربة في معظم القصص. ففي قصة (كتاب الحياة) نجد الإدهاش كما في بقية القصص. “كان الصوت يأتيني على شكل تموجات، خلت أنها من كوكب آخر.
قال: سمعت الخبر؟
أي خبر؟
خبر اعدامك!!
أربكني الأمر حقاً، لكني تماسكت، وقلت.. أنا لم أفعل شيئاً، ولم أحاكم أصلاً”.
يعد كتاب الحياة منجزاً مؤسساً، يستحق القراءة والتأمل.