يوم أسود من تاريخ العراق

آراء 2019/02/09
...

صادق كاظم
 

يظل انقلاب الثامن من شباط من العام 1963 واحدا مناكثر الصفحات بشاعة ودموية في تاريخ العراق المعاصر،حين استغل الانقلابيون من خليط من المتآمرين ممن جمعت بهم نوازع السلطةوالانتقام برعايةمباشرةوشخصية من قبل جهازي المخابرات الاميركيةوالبريطانية،اضافة الى المصرية التي ارادت استعادة نفوذها وسيطرتها على العراق بعد انتحرر من كل اشكال الهيمنةالاستعمارية عليه بعدثورة14تموز الوطنية، لقدكانحكمالجنرال قاسم وانكانبثوب عسكري، الا انه يظل وطنيا بامتياز،  فالرجل بنى دولة وطنيةتمكنت من احتضان الفقراء والمعدمين واعطتهم شعورا بالكرامةوفتحت امامهم كل ابواب العيش الكريم،اضافة الى الكثير من المشاريع العمرانية والخدمية التي غيرت كثيرا من خارطة العراق المدنية والحضارية،لقد كانت ثورة تموز 58ومنذ اللحظة الاولى لولادتها عرضة للعديد من الفعاليات التآمرية التي قادتها اكثر من جهةمحلية وخارجية وكان التزاحم على السيطرةعلى العراق شديدا وخطيرا لم يحسن الجنرال قاسم تقديره والحد منه بعمليات استخباريةواسعة النطاق تمكنه من محاصرة هذه التهديداتوتقنينها،بل اكتفى بمعالجتها بطرق امنيةتقليدية لم تكن بمستوى هذه التهديدات التي نجحت في النهاية بالوصول الى هدفها باسقاط الحكم وفتح ابواب العراق مجددا امام تيارات من العنف والتسلط والاستبداد وصولا الى تجربة انقلاب 68 التي كانت ايذانا بنهايةدور العراق التقدمي السابق في المنطقةمن خلال كم الحروب الهائل والمغامرات وانظمة الحكم القروي والعائلي التي انتهت بالسقوط في نيسان من العام 2003 .
لقد كان انقلاب الثامن من شباط  مجزرة وانتقاما بشعا من حكم الجنرال قاسم،حين تمكن الانقلابيون بعد السيطرةعلى الحكم من قتل الجنرال قاسم والتمثيل بجثته واخفائها بشكل نهائي عبر رميها في النهر في موقف ظل رموز الانقلابيين امثال علي صالح السعدي وعبد السلام عارف واحمد حسن البكر يتباهون به ويعتبرونه ضروريا لاستقرار الحكم الجديد، في حين انه يعكس موقفا متجردا من الانسانية ويمثل اعلى قيم البشاعة والانحطاط 
لقد كان شعار الوحدة الفورية مع مصر واحدة من الذرائع التي طرحها الانقلابيون لتبرير انقلابهم،لكنه وبمجرد وصولهم الى السلطة تخلوا عن هذا الشعار ولم يحققوه،بل تحولوا الى اداة للتآمر على دول المنطقة  ومحاربة الوحدة العربية نفسها. لقد كان منجزالانقلابيين افتتاح قصر النهاية الذي ضاع في دهاليزه اكثر من 10 الاف ضحية ماتوا على يد الجلادين من عناصر ما يعرف بالحرس القومي الذين استغلوا ظروف الانقلاب ليفتحوا ابوابا من جحيم الانتقام والتصفيات الفردية ضد المواطنين الابرياء،حيث تحول العراق على يد الانقلابيين الى دولة بوليسية سرعان ما انتهت بعد مرور تسعة اشهر فقط على يد الشريك الرئيس في الانقلاب عبد الرحمن عارف الذي اسس لنفسه بعد طرد شركائه البعثيين في الانقلاب لنظام عائلي ومناطقي جديد لم يستمر هو الاخر سوى خمس سنوات . لقد كان العراق خلال الفترة الممتدة من الاعوام 58-63 ضمن دائرة الاستهداف الدولي والاقليمي،حيث اخذ على نظام الزعيم قاسم رفضه للهيمنة الاستعمارية البريطانيةوحليفها الاميركي،حيث الغى حلف بغداد واخرج العراق من منظمةالاسترليني وانتهج للعراق خطا سياسيا تحرريا مستقلا ووطنيا،اضافة الى تأميمه لجميع الحقول النفطية العراقية الضخمة غير المكتشفة والغاء الامتياز الممنوح للشركات الاجنبية بهذا الخصوص وهو ما عجّل بالتحركات الانقلابية المضادة لحكمه .
لقد كان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم انسانا وطنيا يؤمن بالعراق وبضرورة ان يكون مستقلا وقويا في المنطقة وكان حاكما عادلا يسهر على أمن وراحة شعبه وكان عفيفا ونزيها لم تمتد يده الى اموال الدولة وممتلكاتها ولم يستاثر لنفسه باي منها،بل كان يعيش في منزل مستأجر وكان يعد نفسه مواطنا عاديا وليس حاكما فوق الجميع وكان احيانا يساعد المحتاجين والفقراء من جيبه الخاص من دون ان يكلف الدولة اي شيء من اثمان هذه المنافع وكان قتله واسقاط نظام حكمه ضربة مؤلمة للمشروع الوطني الذي كان يحلم به قاسم في جعل العراق مكانا يسعد ابناءه فيه ويتمتعون بخيراته وثرواته وليس للطارئين والدخلاء عليه من اعوان الاستعمار واجهزة المخابرات الاجنبية التي جاء الانقلابيون الى السلطة باعترافهم على متن احد قطاراتها.