محمد شريف أبو ميسم
بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مشروع إنشاء نظام مضاد للصواريخ في الفضاء، ردا على ما يقال بشأن تطوير أسلحة جديدة في الصين وكوريا الشمالية وروسيا وايران، ضجت وسائل الاعلام العالمية لتذكّر بما سمي ببرنامج "حرب النجوم"
الذي دعا له الرئيس الأميركي "رونالد ريغان" ابان الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي. وقيل ان برنامج ريغان المسمى مبادرة الدفاع الستراتيجي لعسكرة الفضاء قد نفذ في العام 1985 وفق نظام يسمى "القاتل" يسمح للصواريخ المعترضة اكتشاف الصواريخ المعادية عبر أشعة الليزر التي أطلق عليها في ذلك الوقت أشعة الموت بعد أن رصد له وقتها ميزانية 26 مليار دولار، ولكن الحديث اختفى عن ذلك البرنامج مع انتهاء الحرب الباردة وتفكيك الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو.
اليوم وبعد اعلان ترامب المفاجئ عن برنامج"القوة الفضائية" وهو يشير إلى هذه الأربع دول، بوصفها مصدر تهديد لأمن الولايات المتحدة، عاد الحديث عن عسكرة الفضاء، محذرا من أن الخصوم يطورون برامج الأسلحة بسرعة فائقة قد تنذر بتحويل ميزان القوة في العالم. في وقت تتعرض فيه الحكومة الأميركية للاغلاق جراء عدم اقرار الموازنة التي تتضمن تمويلا لبناء جدار مع المكسيك للحد من الهجرة غير الشرعية. فاذا كان ترامب غير قادر على اقناع الكونغرس لتمرير الموازنة، فكيف له ان يطلب التمويل لهذا البرنامج لتضاف كلفه الى ميزانية دفاع تفوق 700 مليار دولار سنويا. وبما لا ينسجم مع تصريحاته التي وصف فيها العلاقات مع روسيا خلال قمة هلسنكي في تموز 2018 بانها تسير بالاتجاه الصحيح، وقوله بعد لقائه زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، العام الماضي إن بيونغ يانغ "لم تعد تشكل خطرا نوويا" وما أشار اليه بشأن التقارب مع الصين والاستعداد لمفاوضات بين الجانبين على هامش قمة العشرين الأخيرة، فيما كان انسحابه من الاتفاق النووي مع ايران واعادة الحصار الاقتصادي عليها بمثابة ضربة للدبلوماسية الأميركية ومدى مصداقيتها بهدف اضعاف ايران، الا انه عاد وناقض نفسه في عديد من التصريحات التي تتعلق بروسيا، ثم يأتي في بيان مشروع "القوة الفضائية" ليشير لخطورة السلاح النووي الكوري الشمالي، بعد سلسلة من اللقاءات بين اللجان المختصة الأميركية والكورية ولم تكن حربه مع الصين الا حربا تجارية لا تستحق التلويح بحرب فضائية، فيما أكد في تصريحات سابقة ان قادة ايران سيأتون اليه طالبين التفاوض، الأمر الذي يفسر العودة بالتلويحات العسكرية في اطار التهديدات بوصفها أداة من أدوات الضغط لتركيع الآخر في حلبات التفاوض بعد فشل أساليب الحصارات الاقتصادية وضرب أسواق النفط والتضييق على التجارة الخارجية.
من جانب آخر فان الولوج من جديد الى ساحة الحرب الفضائية، يعد من عنديات المؤسسة التي جاءت بالرئيس "ترامب" الى السلطة، بهدف توظيف هذا البرنامج في اطار ستراتيجية الهيمنة على العالم، واعادة صناعة حالة الرعب والنكوص عند حكومات وشعوب الدول التي تحاول الولايات المتحدة فرض وصايتها عليها، وستثبت الأيام المقبلة مثلما انتهى الحديث عن برنامج حرب النجوم الذي جاء به "رونالد ريغان" على اثر انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو، سينتهي الحديث عن برنامج "القوة الفضائية" الذي انشغلت به وسائل الاعلام العالمية هذه الأيام، لمجرد ابتزاز الأطراف المستهدفة، وتوافقها مع الولايات المتحدة بشأن الملفات العالقة، اذ ان هذا البرنامج ليس أكثر من عسكرة وهمية للفضاء وابتزاز للعقل يثبت فشل ادارة ترامب في ادارة الملفات العالقة مع هذه الدول، وبالتالي لجوؤها لهذا الاسلوب بهدف اثبات تفوقها والتلويح به.